يعاني الاقتصاد الأردني من أزمة بنيوية ناجمة من هيمنة قطاع الخدمات على حساب القطاعات الانتاجية (الصناعة والزراعة) اللذين يعدان مقبرة البطالة وقادرين على توفير معظم السلع والمواد الاستهلاكية اذا وجدا الدعم اللازم، مما سيؤدي الى تخفيض في الميزان التجاري وبالتالي توفير في العملة الصعبة التي ستعزز من مكانة العملة المحلية وتحسن من جودة السياسة النقدية، فاستحواذ قطاع الخدمات على 70 % من الناتج المحلي الاجمالي واقتصار قطاعي الصناعة والزراعة على 30 % منه، يعزز من سالبية المؤشرات الاقتصادية المختلف.اضافة اعلان
وكل ذلك انعكاس لسياسات مالية استمرت في اتباعها الحكومات السابقة والحالية كنهج وسياسة مالية فرضت نفسها على السياسات الاقتصادية التي أنتجت هيكل اقتصادنا الوطني الذي يعاني من مؤشرات اقتصادية سالبة، بعد ان استجابت حكوماتنا لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي قاسمها المشترك الاعظم، تخلي الدولة عن التدخل بالسوق ومنح القطاع الخاص حرية اكبر في ادارة شؤون البلاد خدمياً وخاصة في قطاعي التعليم والصحة والنقل، مترافقاً ذلك مع التخلي عن مساهماتها المختلفة في قطاعي الصناعة والزراعة والخدمات التي كانت تورد للخزينة مبالغ كبيرة خاصة في قطاعي البنوك وشركات تكنولوجيا المعلومات وغيرها من مساهمات الحكومة والتي تجلّت في حينه ببرنامج الخصخصة الذي كان واحداً من شروط وبنود الاتفاقيات التي ابرمتها الحكومات مع صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص الذي كان وراء السياسات المالية التي اتبعتها الحكومات والمختزلة بالنتيجة بالعبث الذي وقع على ادوات المالية العامة كالنفقات وخاصة الجارية منها حيث تدحرجت ككرة الثلج مع مرور السنوات التي واكبت الاتفاقيات الموقعة مع الصندوق، حيث وصلت الرواتب وخدمة المديونية الى ما نسبته 90 % من النفقات الجارية، مع انخفاض كبير في النفقات الرأسمالية، انسجاماً مع نهج الخصخصة الذي تبنته الحكومات المتعاقبة.
اما العبث الثاني الذي نتج عن هذه السياسات المالية الضارة بالاقتصاد فهو الملف الضريبي وما يتضمنه من تخفيض كبير للضرائب على الدخل وارتفاع متتالٍ في نسب الضرائب على المبيعات مع توسع في جداول السلع الخاضعة لهذه الضريبة والاخطر من ذلك اخضاع مدخلات الانتاج الصناعي والزراعي وما يتعلق بهما من متطلبات التغليف والخدمات اللوجستية الاخرى التي تسبق عملية التسويق لهذه الضريبة غير المباشرة التي تنعكس على سعر السلعة او الخدمة، بالإضافة الى ما فرضته الحكومات من ضريبة مبيعات خاصة وعامة على المشتقات النفطية وفاتورة الاتصالات التي تحتل حصة كبيرة في فاتورة استهلاك المواطنين والتي تدخل في عملية الانتاج بشكل عام مما ساهم بشكل حاد الى رفع كلفة المنتج الأردني سواء كان سلعياً او خدمياً.
إن نتائج هذه السياسة المالية المتمثلة بالعبث بأدوات المالية العامة (نفقات، ضرائب ومديونية) انعكست على موازنة الدولة الأردنية تاريخياً حيث كان عجز الموازنة في ارتفاع سنة بعد سنة ونظراً للانخفاض المستمر في قدرة المستهلك على طلب كمية من السلع والخدمات بسبب ارتفاعها، فقد انخفضت مباشرة نسبة النمو وبعلاقة عكسية مع نسبة نمو السكان مما خفض من التحصيلات الضريبية على وجه الخصوص الذي اوقع الموازنة في عجز دائم ومستمر ومتزايد سنة بعد سنة كانت تضطر فيها الحكومات الى معالجة هذا العجز باللجوء الى الجانب السلبي في ادارتها، للمديونية الا وهو الاقتراض من اجل سد عحز الموازنة، بدلاً من ترجيح استخدام الجانب الايجابي الذي فشلت الحكومات في استغلاله للمديونية والمتمثل بالاقتراض من اجل المشاريع الانتاجية التي تساهم في تعظيم خدمات الحكومة المقدمة للمواطنين والمقيمين وما تعكسه من ايراد للخزينة ناتج عن هذه النفقات سواء كان ذلك في التعليم، النقل بانواعه المختلفة سواء كان في النقل العام وخاصة السكك الحديدية او في الصحة او السكن.
كل ذلك العبث ساهم بشكل او بآخر في وصول اقتصادنا الى هذا الواقع الذي سماته الاساسية نسبة نمو متواضعة لا تزيد على 2.5 %، عجز في الميزان التجاري من حيث ان استيرادنا ضعف تصديرنا تقريباً وهذه المؤشرات السالبة هي التي تؤدي حتماً الى ارتفاع نسب البطالة وبالنتيجة الفقر وآثارهما الاجتماعية.
إن معالجة هذه الاختلالات تتطلب حلولاً جذرية تبدأ في معالجة ملف الضرائب اولا ودائماً من حيث تخفيض ضرائب المبيعات سنة بعد سنة مع رفع جريء للضرائب على دخول الاغنياء سواء كانوا افرادا او مؤسسات، استناداً الى ان اهم اهداف الضريبة بالإضافة الى حاجات الخزينة، ان يتم تقليص فجوة الدخول بين الافراد خاصة والمنشآت بشكل عام بالإضافة الى اعادة توزيع الثروة الوطنية عبر ما تقدمه الحكومة من خدمات، تعليم، صحة ونقل، للمساهمة في تخفيض حصة هذه الخدمات من نفقات الأُسر عموماً.
إن معالجة فجوة الدخول بشكل عام والرواتب داخل القطاع العام سواء كان ذلك بالوحدات الحكومية او المستقلة وكذلك الامر بالنسبة للقطاع الخاص بشكل خاص فقد تكون احد ادوات معالجته تكمن في ضريبة الدخل على الفئات المرتفعة من هذه الدخول، مما سيساهم كثيراً في معالجة الآثار السلبية التي تركتها هذه الاختلالات على انتمائنا الوطني للمنظومة الاخلاقية في المجتمع، فالعدالة المفقودة في توزيع الخدمات او الثروة وما تعززه من حرمان واسع لفئات متعددة من ابناء اي مجتمع تساهم بشكل واضح وصريح الى اضرار اجتماعية.
*محلل اقتصادي
0 تعليق