بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الفلسطينيون يعودون إلى الديار في الشمال -لكن رغبة الرئيس الأميركي في "تطهير" القطاع، مهما كانت غير واقعية، تثير قلقًا عميقًا. وكان لاقتراح ترامب نقل سكان غزة إلى دول أخرى وقع "الموسيقا على آذان اليمين المتطرف في إسرائيل".اضافة اعلان
* * *
يعود المواطنون الفلسطينيون إلى ديارهم في شمال غزة، على الرغم من أن القليل من منازلهم ما تزال قائمة. وقد تم تدمير مستشفياتهم ومدارسهم وغيرها من عناصر البنية التحتية الأساسية. بالنسبة للبعض ثمة لم شمل مغسول بالدموع. وثمة آخرون يبحثون عن جثث أحبائهم. والجميع يبحثون عن الأمل وسط أنقاض حيواتهم السابقة.
ومع ذلك، هناك تهديدات جديدة تلوح في الأفق. الآن، تخوض إسرائيل والأمم المتحدة مواجهة بشأن مستقبل وكالة الإغاثة الفلسطينية، (الأونروا). ومن المقرر أن يدخل قانون إسرائيلي ينهي جميع أشكال التعاون مع الوكالة حيز التنفيذ في يوم الخميس الأخير من كانون الثاني (يناير) –تمامًا بينما تتدفق المساعدات التي تشتد الحاجة إليها أخيرًا إلى غزة. ويقول خبراء الإغاثة إنه ليس هناك أي كيان آخر لديه القدرة على تزويد سكان القطاع بالدعم اللازم على المدى الطويل.
القضية الثانية هي صمود اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. سيكون الانتقال إلى المرحلة الثانية التي من المفترض أن تنسحب إسرائيل خلالها من القطاع بالكامل، وأن تنزع "حماس" فيها سلاحها أكثر صعوبة. وفي الوقت نفسه، ثمة مخاوف بشأن الهجوم الإسرائيلي المستمر على جنين في الضفة الغربية المحتلة، الذي وصفه المسؤولون الإسرائيليون بأنه تحول في أهداف الحرب. وفي لبنان، قتلت القوات الإسرائيلية بالرصاص 26 شخصًا كانوا يحتجون على استمرار وجودها في الأراضي اللبنانية. وتم تمديد الموعد النهائي لانسحابها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار حتى 18 شباط (فبراير).
لكن التهديد الجديد الأكثر أهمية وخطورة هو حديث دونالد ترامب الأخير عن رغبته في "تنظيف هذا الأمر برمته"، عن طريق مغادرة مليون ونصف فلسطيني غزة مؤقتًا أو لوقت طويل، ربما إلى الأردن أو مصر. وبالنظر إلى تاريخهم مع التهجير القسري، فإنه ليس لدى الفلسطينيين أي سبب للاعتقاد بأنهم سيعودون أبدًا إذا خرجوا من القطاع. وسيكون مثل هذا الخروج بمثابة نكبة أخرى. وقد دفع الرئيس الأميركي بالفكرة مرة أخرى يوم الاثنين الماضي، وقيل أنه تم طرح إندونيسيا كوجهة محتملة بديلة. وهذه أكثر من مجرد فكرة عابرة. وقد أثار الرئيس الأميركي قلق الفلسطينيين حين قال إنهم يمكن أن يعيشوا في مكان أكثر أمانًا وأكثر "راحة"، وعبروا عن رعبهم وجعلوه واضحًا. إن تغليف الترحيل القسري بورق الهدايا لا يغير حقيقة أنه سيكون جريمة حرب.
كان لهذه التعليقات البغيضة وقع الموسيقا على آذان اليمين المتطرف في إسرائيل. وقد يكون الغرض منها في المقام الأول هو مساعدة بنيامين نتنياهو على إبقاء شركاء الائتلاف معه على متن القارب. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي –المقرر أن يلتقي الرئيس ترامب في وقت قريب هو يوم الثلاثاء المقبل– قد رفض خططًا لـ"اليوم التالي" في غزة، في ما يرجع إلى حد كبير إلى رغبته في تأجيل قدوم مثل هذا اليوم. وسيكون طرد الفلسطينيين من الشمال أكثر صعوبة الآن بعد عودة مئات الآلاف إلى هناك. ولا تريد مصر والأردن أخذهم لأسباب سياسية وأمنية. وقد أوضح لاعبون أقوياء آخرون معارضتهم -وما يزال ترامب يأمل في تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية في صفقة إقليمية أوسع. ومع ذلك، ربما تأمل إدارته في أن يؤدي الضغط الكافي بشأن المساعدات إلى نقل أصغر للفلسطينيين داخل المنطقة، أو ربما عملية نقل أكبر إلى أماكن أخرى.
لا يحتاج مقترح السيد ترامب إلى أن يكون قابلاً للتنفيذ حتى يكون مدمراً. إنه يعزز اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي تلقى حافزًا وازداد جرأة بالفعل بعد إلغاء العقوبات الأميركية على المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية، كما أنه يزيد من تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. ويبدو أن السيد ترامب ينظر إليهم كعقبة أمام مشاريع التطوير العقاري و"الصفقة الكبرى" التي لطالما تحدث عنها، بدلاً من كونهم بشرًا لهم رأي في تقرير كيفية حياتهم والحق في تقرير مصيرهم. غالبًا ما بدا التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين في كثير من الأحيان نظريًا إلى حد كبير، لكنه ظل مع ذلك مهمًا. وما يزال الفلسطينيون في حاجة إلى مستقبل طويل الأمد في دولتهم الخاصة.
*نشر هذا المقال الافتتاحي تحت عنوان: The Guardian view on the future of Gaza: Trump is threatening already frail hopes
0 تعليق