هجوم المؤسسات التعليمية الأميركية على القضية الفلسطينية‏

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
‏‏‏أندريا براوير‏ - (كومون دريمز) 31/1/2025
‏لهذه الهجمات السياسية تأثير مخيف على مجمل الفكر والخطاب العام،
*   *   *
‏على مدى أشهر قبل تولي رئيس الولايات المتحدة، ‏‏دونالد ترامب،‏‏ منصبه، توالت التقارير شبه اليومية عن الطلاب والأساتذة الذين يُحاكمون بسبب نشاطهم من أجل حماية أرواح الفلسطينيين.‏اضافة اعلان
‏أوقفت "جامعة نيويورك‏" عن الدراسة‏ 11 طالبًا كانوا جزءًا من نشاط سلمي تضمن توزيع المنشورات والاعتصام، بمن فيهم طلاب اعتصموا ببساطة في بهو المكتبة في عمل من التضامن. وواجه 11 عشر طالبًا من "‏‏كلية سوارثمور‏"‏ الطرد بتهمة الاعتداء بسبب استخدامهم مكبر صوت يدوي. ‏‏وقامت "كلية إيمرسون"‏‏ بتسريح 10 موظفين، وألقت باللوم على الاحتجاجات ‏‏من أجل فلسطين‏‏ في التسبب بانخفاض نسبة التسجيل في الكلية، ثم استغلت عمليات التسريح لاستهداف الموظفين المؤيدين لفلسطين. ‏
‏كما وضعت "كلية إيمرسون" ‏‏أربعة طلاب تحت المراقبة‏‏ بسبب توزيعهم منشورات على رصيف عام. ويتم تجريم 13 طالبًا في ‏‏جامعة برينستون‏‏ بتهمة "التعدي على ممتلكات الغير" في حرمهم الجامعي الخاص بعد أن شاركوا في اعتصام.
وتم استدعاء ‏‏سبعة من الطلبة وأعضاء هيئة تدريس في ‏‏"جامعة ديوك‏"‏ أمام مجلس قضائي بالجامعة، وهم يواجهون، من دون إشعار أو اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، احتمال الطرد لمشاركتهم في احتجاج غير عنيف. ويواجه الأساتذة الدائمون في "جامعة إيموري" إجراءات مماثلة. ‏‏ قام ‏‏"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"‏‏ بخفض رتبة أستاذ مثبّت بعد اقتراحه مساقًا بعنوان "‏‏نضالات إنهاء الاستعمار والتحرير في هايتي وفلسطين ‏‏وإسرائيل‏‏".‏‏ كما تم فصل ‏‏ أساتذة في ‏‏"كلية موهلنبيرغ"،‏‏ و"جامعة ‏‏كولومبيا"،‏‏ ‏‏و"كلية جون جاي‏‏" ‏‏و"جامعة مدينة نيويورك"‏‏ ‏‏و"جامعة نيويورك" وغيرها‏‏، أو إجبارهم على الاستقالة بسبب الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.‏
تحدثتُ مع أمين مكتبة في إحدى الجامعات طرد بعد التدريس في ورشة عمل ناقش فيها "‏‏الإبادة المدرسية‏‏" في ‏‏غزة‏‏، ومدرس في مدرسة طرد بسبب منشور شاركه على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد إسرائيل والولايات المتحدة، ‏‏والعشرات‏‏ من معلمي مختلف المراحل المدرسية الذين تم ‏‏إيقافهم‏‏ أو اتخاذ إجراءات تأديبية في حقهم لحديثهم عن معاناة الفلسطينيين. ‏
وثمة سيل من الشكاوى التي تستند إلى "المادة السادسة من قانون الحقوق المدنية" (1)‏ كسلاح تستخدمه ضد المعلمين، والعديد منها رفعتها منظمات أو أفراد ليست ‏‏لهم أي صلة على الإطلاق بالمدرسة أو الجامعة‏‏ المعنية.‏
‏وأواجه أنا شخصيًا تحقيقًا على أساس "المادة السادسة" المذكورة في "جامعة غونزاغا" حيث تم تعييني كـ"باحثة ناشطة" لأكون المدرّس الرئيسي في برنامج عن "التضامن والعدالة الاجتماعية". ‏
‏وتتعلق الادعاءات الموجهة ضدي بحضور "‏‏اعتصام سلمي من أجل فلسطين‏‏"، وتمرير رسالة ‏‏طلابية مفتوحة‏‏ ‏‏إلى قائمة أعضاء هيئة التدريس لدينا (وقعها المئات من طلبتنا) ضد ‏‏سياسة "جامعة غونزاغا" المناهضة للاحتجاج‏‏. وثمة مجموعة من النتائج الممكنة للتحقيق معي، بما فيها إنهاء الخدمات. ‏
ولأنني كنتُ في إجازة طبية معتمدة مسبقًا في اليوم التالي لاستجوابي الأول، حُرمت من الحق في الإدلاء بأقوال أخرى أو المشاركة بأي طريقة في الإجراءات حتى أيار (مايو). في الأساس، سأكون قيد المحاكمة لمدة خمسة أشهر من دون تمثيل أو قدرة على الدفاع عن نفسي.
‏إسكات وعزل ‏
من المستحيل معرفة العدد الدقيق للحالات المماثلة، في ما يرجع جزئيًا إلى التعتيم الإعلامي شبه الكامل. ويتلقى العديد ممن واجهوا -أو يواجهون- تحقيقات حاليًا تعليمات بضرورة التزام الصمت (والتزام العزلة) حتى "لا يعرّضوا التحقيق للخطر". بينما يلتزم آخرون الصمت لأن وظائفهم، وآفاقهم المهنية المستقبلية، وسلامتهم نفسها على المحك.
‏لكن ما هو واضح هو أن المحاكمات واسعة النطاق، وعقابية بشكل غير عادي، ‏‏ومنسقة إلى حد كبير‏‏، وكانت تنتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد في المؤسسات التعليمية من جميع الأنواع قبل أداء ترامب اليمين الدستورية.‏
تترافق مطاردة الساحرات التي تستهدف المعلمين والطلاب ‏‏مع تدابير ذات صلة‏‏‏‏، بما فيها تبني سياسات مناهضة الاحتجاج في حرم الجامعات على مستوى البلاد، والتي يبدو أنها متأثرة على الأقل‏‏ بـ"المجلس الأميركي للأمناء والخريجين"، المكون من مستشاري "مشروع 2025".(2) ‏
‏في بداية العام الدراسي،‏‏ أجرى حوالي ‏‏100 حرم جامعي‏‏ تغييرات واسعة النطاق في السياسة تحظر بشكل أساسي الاحتجاج الهادف. وذهبت بعض الجامعات إلى حد تحويل الحرم الجامعي بأكمله إلى حصن منيع بملئه ‏‏بنقاط التفتيش وطائرات الاستطلاع من دون طيار‏‏، ‏‏وسد مناطق التجمع المشتركة‏‏ بالأسوار، ونشر حراس أمن خارج الغرف الدراسية. ‏
هذه هجمات سياسية، مصممة لسحق حركة تقف مع -ومن أجل- الناس في ‏‏القاع الوحشي‏‏ لأنظمة القمع العنيفة. ولها تأثير تقشعر لها الأبدان -ليس على أولئك الذين تستهدفهم فحسب، ولكن على مجمل الفكر والخطاب العام. وقد حذر بعض الخبراء من أننا نشهد "‏‏مكارثية جديدة"‏‏‏، قد تتجاوز في عنفها قمع الخمسينيات.‏
‏بدأت هذه المكارثية الجديدة قبل ترامب، وأطلقتها جزئيًا ‏‏مؤسسات التعليم العالي "الليبرالية‏‏"، لكن نظام ترامب الاستبدادي سيسعى جاهدًا إلى دفع هذا الاتجاه نحو أبعاد مروعة جديدة من التطرف.
بعد أقل من أسبوعين من وجوده في منصبه، أصدر ترامب ‏‏بالفعل أمرًا تنفيذيًا‏‏ ‏‏–‏‏مستلاً مباشرة من "مشروع إستير"‏‏‏‏(3)– يقضي بترحيل الطلاب المؤيدين لفلسطين الذين ليسوا مواطنين أميركيين واتخاذ "خطوات قوية وغير مسبوقة لحشد جميع الموارد الفيدرالية" ضد ما وصفه بالجامعات "الموبوءة بالتطرف" و"الاحتجاجات المؤيدة للجهاديين".‏
‏إن الحملة القمعية على الطلاب والمعلمين -التي ‏‏يقوم ترامب باستغلالها‏‏ وتوسيعها بسرعة وبشكل مرعب- هي هجوم كبير يُشن على حرية التعبير والحرية الأكاديمية. إنها تهديد خطير للديمقراطية، والمعارضة، وقدرة الناس العاديين على مقاومة ‏‏كل‏‏ اعتداءات الاستبداد والأوليغارشية التي نواجهها. إنها منحدر زلق مقلق، بدأ في جزء كبير منه كهجوم من الحزبين على حركة تتحدى الإمبراطورية العنصرية التي تقودها الولايات المتحدة.‏
إن ‏‏النشاط من أجل الحرية والمساواة للفلسطينيين يواجه بالضرورة ‏‏المصالح الرأسمالية والإمبريالية الأميركية والغربية‏‏. إنه يقوض الأيديولوجيات المتعصبة واللاإنسانية -في حالة فلسطين ‏‏العنصرية المعادية للعرب والإسلاموفوبيا‏‏‏‏- التي تبرر وتحافظ على استمرار نظام عالمي ‏‏عنيف‏‏ وهرمي ‏‏بشكل ملحوظ.‏
‏تعني محاولة استعادة إنسانية الفلسطينيين حقًا تحدي الإمبراطورية العنصرية، وهذا -‏‏جزئيا– هو السبب في أن رد الفعل العنيف ضد الحركة من أجل الحياة والحرية الفلسطينية مفرط للغاية، ويحظى بدعم واسع من اليمين المتطرف والليبراليين على حد سواء. ‏
تعمل مطاردة الساحرات عبر المؤسسات التعليمية، القائمة على العنصرية المعادية للفلسطينيين منذ فترة طويلة، على ‏‏تشويه جميع أشكال الاحتجاج‏‏ من أجل فلسطين باعتبارها إرهابية ومعادية للسامية، وتقوم بإطلاق اتهامات كاسحة بمعاداة السامية ضد أي تعبير عن القلق على حياة الفلسطينيين. وفي هذا ‏‏خلط متعمد إلى حد كبير‏‏ بين انتقاد الفصل العنصري والإبادة الجماعية للحكومة الإسرائيلية ومعاداة السامية. ‏
‏وليس هذا النوع من سوء التفسير خطيرًا على الفلسطينيين وإنصارهم فقط، وإنما قمعي لليهود أيضًا. ويسعى هذا الموقف، وفقًا لأستاذ التاريخ والدراسات اليهودية، ‏‏أنيليز أورليك‏‏‏‏، إلى فرض موقف سياسي يميني مؤيد لإسرائيل يجب على جميع اليهود الالتزام به، ويحاول طمس الهويات اليهودية المتجذرة في تقليد طويل من الدفاع عن حقوق المضطهدين والتعددية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
تم استهداف كل من اليهود والفلسطينيين بشكل غير متناسب في حملات القمع في الحرم الجامعي.‏
‏وفي حين يتم استخدام حماية الحياة اليهودية كذريعة لاضطهاد الذين يعبرون عن قلقهم على حياة الفلسطينيين، يتم تجاهل ‏‏الصعود الكبير لمعاداة السامية في أوساط اليمين المتطرف‏‏ وفي ‏‏القمة‏‏؛ وفي بعض الأحيان ‏‏تمارسها جماعات‏‏ مهمتها المعلنة هي "مكافحة معاداة السامية". وكتبت الكاتبة البريطانية الإسرائيلية راشيل شابي مؤخرًا في صحيفة "‏‏الغارديان"‏‏: ‏
‏"إذا تم استخدام معاداة السامية بهذا الشكل الصارخ كسلاح سياسي، فإنها تخلق الانطباع بعدم جدية أساسي حول الموضوع". ‏
كما أنها تقوض أيضًا الحركات الإنسانية ذاتها التي هي أملنا في قدوم عالم يتجاوز كلًا من‏‏ معاداة السامية والعنصرية المعادية للعرب على حد سواء. وأود هنا أن أعيد بعض الكلمات التي كنتُ قد قلتها للطلاب في الاحتجاج الذي أنا متهمة بسببه بـ"التمييز" بموجب "قانون الحقوق المدنية": ‏
"في لحظة يسودها هذا الكم الهائل من الدعاية والقوة، يحتاج العالم إلى وضوحكم الأخلاقي؛ الوضوح الأخلاقي الذي يؤكد أن كل حيواتنا مترابطة جوهريًا، وأن حركة التحرر الفلسطيني هي في جوهرها حركة لتحرير الإنسان، وأن تحرير الفلسطينيين يستدعي مواجهة شاملة لكل الأنظمة المتشابكة للاضطهاد، وأنه جزء أساسي من —وليس متعارضًا مع— تحرر اليهود، والسود، والملونين، والسكان الأصليين، والبيض، والجميع. ويُظهر وضوحكم الأخلاقي أن التضامن الإنساني، والأمان المتبادل، والحرية الجمعية هي أمور ممكنة. وأن الحب، وليس الهيمنة، يمكن أن يكون القوة التي توجه حياتنا المشتركة على هذا الكوكب الجميل الواحد."
سوف نحتاج إلى التمسك بقوة بمبدأ وهدف التحرر الجماعي في الأوقات المقبلة، والوقوف بأذرع مترابطة ضد محاولات تشويه إنسانيتنا المشتركة. وأنا أجد أملاً هائلاً في الطلاب والمعلمين الذين كانوا شجعانًا بما يكفي للقيام بذلك، على الرغم من القمع والانتقام الشديدين. إن ‏‏الأعمال الشجاعة للناس العاديين‏‏ هي التي ستوقف المسارات القاسية التي نسير فيها.‏
‏*أندريا بروير Andrea Brower: ناشطة وباحثة من كاواي. وهي أستاذة مساعدة في "برنامج التضامن والعدالة الاجتماعية" في قسم علم الاجتماع بجامعة غونزاغا. وتشكل أبحاثها وكتاباتها وجهودها التدريسية حول الرأسمالية والاستعمار والبيئة والغذاء والزراعة جزء لا يتجزأ من الحركات الاجتماعية من أجل العدالة والمساواة والتحرر والتجديد البيئي.‏ المقال مترجم عن ‏‏Common Dreams‏‏.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: US Schools Hammering Palestine Cause

هوامش المترجم:
(1)    المادة السادسة من قانون الحقوق المدنية للعام 1964 (Title VI of the Civil Rights Act of 1964) هي بند في القانون الفيدرالي الأميركي يحظر التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي في أي برنامج أو نشاط يتلقى تمويلًا فيدراليًا. وتطبق المادة بشكل أساسي على المدارس والجامعات والمستشفيات والبرامج الحكومية التي تتلقى مساعدات فيدرالية. في السنوات الأخيرة، تم استخدام المادة السادسة في شكاوى تتعلق بتمييز الجامعات ضد الطلاب بناءً على مواقفهم السياسية أو العرقية، بما في ذلك قضايا مرتبطة بالطلاب المؤيدين لفلسطين والاتهامات بمعاداة السامية.
(2)    "مشروع 2025" (Project 2025): هو مبادرة أطلقتها "مؤسسة الميراث" The Heritage Foundation، وهي مؤسسة فكرية محافظة في الولايات المتحدة، بهدف إعداد خطة شاملة لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية وتعزيز السياسات المحافظة في حال فوز مرشح جمهوري بالانتخابات الرئاسية العام 2024. تتضمن هذه الخطة مقترحات لتقليص حجم البيروقراطية الحكومية، وتعزيز السلطة التنفيذية، وتطبيق سياسات محافظة في مجالات متعددة . وقد أثار "مشروع 2025" جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، حيث يرى البعض أنه يمثل محاولة لتطبيق أجندة يمينية متشددة قد تؤثر على الديمقراطية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة. في المقابل، نفى دونالد ترامب تبنيه الكامل لهذه الخطة، رغم مشاركة عدد من مستشاريه السابقين في إعدادها.
 (3) مشروع إستير Project Esther: مبادرة أطلقتها "مؤسسة الميراث" بهدف مكافحة ما تصفه بمعاداة السامية. يركز المشروع على مواجهة الحركات المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، والتي تعتبرها المؤسسة جزءًا من "شبكة دعم حماس" العالمية. يهدف المشروع إلى حشد الجهود لمكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة. وقد حظي "مشروع إستير" بدعم من بعض الجماعات المسيحية الإنجيلية، لكنه لم يتلق دعمًا من المنظمات اليهودية الكبرى، وتعرض لانتقادات من بعض الصحفيين والجهات الإعلامية الذين أشاروا إلى أنه يتجاهل معاداة السامية من اليمين المتطرف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق