إقليم البحرين في العصر العباسي الثاني: الإرادة والوعي

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في العصر العباسي الثاني، شهدت الخلافة تراجعاً ملحوظاً في قوتها ونفوذها وبدأت تواجه بعض المشاكل الداخلية التي أثّرت على إدارتها لنواحي الدولة ممّا أثر على أحوال بعض الأقاليم منها البحرين. حيث استغل بعض الطامعين بالمناصب الفراغ السياسي في البحرين وما رافقه من عدم استقرار الحياة الاقتصادية، ومن بين تلك الشخصيات الانتهازية الطموحة الطامعة بالسلطة والنفوذ علي بن محمد بن عبدالرحيم الملقب بصاحب الزنج، من أهل فارس الذي قدم إلى البحرين بعد أن فشل في تحقيق أهدافه في العراق إذ استبعدته الخلافة العباسية ولم تمنحه ما كان يُمَنِّي به نفسه.

حاول المدعو علي بن محمد استغلال الفئات الضعيفة والبائسة التي يسهل خداعها واتبّع عدّة سُبل تنم عن خداع ومكر مثل ادعائه في النسب ووعوده بتحسين الأوضاع الاقتصادية، واستغلاله التنافس بين القبائل لأجل النفوذ السياسي، إلّا أنّ معظم أهل البحرين أبدوا وعياً سياسياً ملحوظاً في مواجهة هذه التحديات. فقد وجد نفسه أمام مقاومة شديدة من السكان المحليين. فقد أظهر أهل البحرين رفضاً قاطعاً لطموحاته، حيث لم يكن لديهم أي نية لقبول تدخل أو هيمنة من شخصيات غريبة. هذه الروح القتالية تجلّت بشكل واضح في معركة الرَدْم التي وقعت في عام 254هـ - 868م حيث اجتمع أغلب قبائل البحرين كعبدالقيس والعريان بن الهيثم الربعي وعامر بن صعصعة وبني محارب بن قيس عيلان للدفاع عن أرضهم وطردوا صاحب الزنج وأرغموه على ترك إقليم البحرين. ومنها انتقل إلى البصرة حيث استمر في حروبه وإفساده فتصدّت له الخلافة حتى استطاعت التخلص نهائياً منه عام 270هـ - 883م على يد الموفق العباسي.

كانت هذه المعركة مثابة نقطة تحول، إذ أثبت أهل البحرين أنهم قادرون على الوقوف في وجه الطامعين، مدافعين عن هويتهم واستقلالهم. فقد أدركوا أنّ الوحدة والتكاتف هما السبيل للحفاظ على سلامة أرضهم، ممّا جعلهم يتغلبون على التحديات رغم الظروف الصعبة. تجسّد هذه الأحداث الإرادة القوية لأهل البحرين في رفض أي محاولة للتدخل في شؤونهم، ممّا يعكس تاريخهم الطويل من المقاومة والصمود أمام الصعاب. إنّ هذه الروح التي أظهرها أهل البحرين تُعد نموذجاً يحتذى به في قوة التصميم على حماية الوطن. واليوم، نستذكر ذكرى تأسيس قوة دفاع البحرين الحصن الأمين والسد المنيع حيث نستلهم من دروس التاريخ القديم الثوابت والصمود والوقوف بوجه الحركات الهدّامة والحفاظ على وحدة البحرين وأمنها واستقرارها.

* باحثة أكاديمية مختصة بالتاريخ الحضاري للخليج العربي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق