![عاطف الجولاني](https://assabeel.net/wp-content/uploads/2025/01/%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%81.jpg)
(*) خاص بمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت
فوجئت إيران وبقية أطراف محور المقاومة بهجوم 2023/10/7، وبالرغم من ترحيبها وإشادتها به، فإنه قد وضعها أمام تحديات صعبة واستحقاقات دقيقة، قد تكون الأخطر التي واجهت المحور منذ تبلوره، ما يفسر حالة “المشاركة المدروسة” في أداء أطرافه من حيث حجم المشاركة في المعركة وتوقيتها، لكنها حسمت موقفها وتبنّت دور الإسناد للمقاومة الفلسطينية بمستويات متفاوتة.
أولاً: محددات الموقف
من أبرز العوامل التي حددت موقف محور المقاومة من معركة طوفان الأقصى ودفعتها لاختيار سقف الإسناد السياسي، دون الانخراط القوي والكامل في المواجهة:
عنصر المفاجأة وغياب التنسيق المسبق للمعركة، وعدم الاستعداد للتعامل مع تداعيات الهجوم والتحديات التي يفرضها على بقية أطراف المحور.
رغبة أطراف المحور بمساعدة المقاومة الفلسطينية على الصمود في المواجهة، دون تحمّل تداعيات يصعب أو يمكن تحملها نتيجة المشاركة الكاملة في المعركة.
المعادلات السياسية الداخلية والأوضاع الاقتصادية لأطراف محور المقاومة، من حيث الأزمة الاقتصادية في إيران والتجاذب بين توجهات الإصلاحيين والمحافظين، ومعارضة معظم أطراف المعارضة اللبنانية لمشاركة حزب الله في المواجهة وضغوطها عليه للتوقف، وضغوط الحكومة العراقية وبعض المكونات السياسية على فصائل المقاومة العراقية لوقف مشاركتها في المعركة، خشية ردود فعل إسرائيلية وأمريكية قوية. في حين شكّلت الحاضنة الشعبية والاجتماعية في اليمن عاملاً مساعداً أسهم في رفع سقف مشاركة حركة أنصار الله في المواجهة.
رغبة إيران بوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن، ومنع الانزلاق لمواجهة إقليمية واسعة ومباشرة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، ولا سيّما في ظلّ الانحياز والدعم الأمريكي القوي لـ”إسرائيل”، وتهديدها بالردّ على أي تدخل إيراني مباشر في المواجهة، ما شكّل عاملاً مهمّاً في الحسابات الإيرانية.
سقف الموقف العربي والإسلامي الضعيف الذي اكتفى بإدانة العدوان الإسرائيلي، ورفض تجاوزه لاتخاذ مواقف عملية مؤثرة.
ثانياً: تفاعل أطراف المحور مع المعركة
تفاعلت أطراف محور المقاومة مع معركة طوفان الأقصى على النحو التالي:
اعتمدت إيران على الحلفاء في المواجهة الميدانية لإسناد غزة، فيما تركّز دورها المباشر على توفير الغطاء والإسناد السياسي والإعلامي للمقاومة الفلسطينية والقيام بجهد ديبلوماسي نشط لوقف العدوان. ونتيجة الهجوم الإسرائيلي على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق في 2024/4/1 انتقلت المواجهة بين الطرفين إلى مساحة الاشتباك العسكري المباشر، حيث ردت إيران عسكرياً على الهجوم في 2024/4/14، وهو ما استدعى رداً إسرائيلياً محدوداً في 2024/4/19. ورداً على اغتيال عملاء “الموساد Mossad” لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 2024/7/13، نفَّذت إيران في 2024/10/2 هجوماً بمئات بالصواريخ على الأهداف الإسرائيلية، الأمر الذي تسبب برد إسرائيلي في 2024/10/26.
شارك حزب الله في إسناد معركة طوفان الأقصى منذ يومها الثاني في 2023/10/8، وكانت الجبهة اللبنانية أسرع جبهات الإسناد انخراطاً في المواجهة. وتصاعدت مشاركة الحزب في المعركة وصولاً إلى 2024/9/23، حيث أطلقت “إسرائيل” عملية “سهام الشمال” التي غيّرت قواعد الاشتباك بين الطرفين وقامت باجتياح برّي لجنوب لبنان في 2024/9/30، قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ في 2024/11/27 وأنهى مشاركة الحزب في معركة طوفان الأقصى قبل نهايتها.
شاركت حركة أنصار الله اليمنية في المعركة منذ 2024/10/19. وفي 2023/11/14 أعلنت بدء مرحلة جديدة من استهداف الكيان الصهيوني، وتوعَّدت بضرب السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني عبر البحر الأحمر إلى حين توقّف العدوان على غزة. وواصلت مشاركتها في المواجهة وصولاً إلى المرحلة الخامسة التي تمثّلت بقصف تل أبيب في 2024/12/16 بصاروخ باليستي فرط صوتي من طراز “فلسطين 2”.
وقد كانت مشاركة “أنصار الله” في المواجهة مؤثرة، وفرضت حصاراً بحرياً على الكيان الصهيوني اضطره للبحث عن بدائل لتأمين احتياجاته الغذائية من خلال جسر بري يعبر عدداً من الدول العربية، ولم توقف الحركة مشاركتها في المعركة إلى حين وقف إطلاق النار في غزة في 2024/1/19.
بدأت مشاركة الفصائل العراقية في إسناد معركة طوفان الأقصى في 2023/10/18، حيث تبنّى تنظيم “تشكيل الوارثين” استهداف قاعدة عسكرية في منطقة كردستان شمالي العراق، وبعد ذلك بأيام برز ما يُعرف بتنظيم “المقاومة الإسلامية في العراق” كمظلة لمشاركة الفصائل العراقية في المعركة.
وركَّزت الفصائل العراقية هجماتها على استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسورية بالإضافة إلى توجيه ضربات لأهداف إسرائيلية. ومن أبرز تلك العمليات الهجوم على البرج 22 في 2024/1/28 الذي استهدف موقعاً عسكرياً أمريكياً شمالي الأردن بطائرة مسيّرة، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود وجرح 34.
وبسبب التجاذبات داخل الساحة العراقية الناتجة عن تهديدات أمريكية وإسرائيلية، أوقفت الفصائل العراقية مشاركتها في المعركة، وصدر آخر بيان يتبنى تنفيذ هجوم ضدّ أهداف إسرائيلية في 2024/11/21.
لم تشارك الجبهة السورية عملياً في معركة طوفان الأقصى، وبدا واضحاً أنّ نظام بشار الأسد كان له رأي آخر في الموقف من إسناد المقاومة الفلسطينية ومن السماح لأطراف المقاومة الأخرى باستخدام الأراضي السورية ساحة للمشاركة في المعركة.
ثالثاً: تأثير معركة طوفان الأقصى على محور المقاومة
كان لدور الإسناد الذي اعتمدته أطراف محور المقاومة في المشاركة بمعركة طوفان الأقصى مجموعة تداعيات، من أبرزها:
رفع معنويات المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية، واستنزاف الاحتلال وإشغاله بالمواجهة على جبهات متعددة، الأمر الذي خفف العبء على غزة وشكّل ضغطاً على الاحتلال والأطراف الداعمة له.
مثّل دور الإسناد ترجمة عملية وتجسيداً لفكرة وحدة الساحات، ونقلها من مساحة التنظير والتفكير إلى حيّز الممارسة.
أسهمت مشاركة جبهات الإسناد في تراجع عملية الاستقطاب الطائفي في المنطقة.
تراجع دور إيران ووزنها الإقليمي بتأثير الأضرار التي لحقت ببعض أطراف محور المقاومة ونتيجة سقوط النظام السوري، وكذلك بسبب عدم تنفيذ إيران لتهديداتها بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير في 2024/10/26 ما أضرّ بقدرتها على الردع.
ألحقت تداعيات المشاركة في المعركة أضراراً مؤثرة بقدرات حزب الله ومكانته في المعادلة السياسية اللبنانية، وتمّ اغتيال أمينه العام والكثير من قياداته العسكرية والسياسية وتعرّض لضربات أمنية قاسية، بالإضافة إلى تهجير مئات الآلاف من حاضنته الشعبية وتدمير أكثر من خمسين قرية في جنوب لبنان. كما فُرضت قيود مشددة على نشاط فصائل المقاومة العراقية. وتعرّضت منشآت يمنية حيوية لأضرار كبيرة نتيجة الضربات الإسرائيلية والغربية.
رابعاً: مستقبل محور المقاومة في ضوء تداعيات المعركة
تلعب مجموعة من العوامل دوراً مؤثراً في رسم ملامح مستقبل محور المقاومة، من حيث الوزن والتأثير والفاعلية على المستوى الإقليمي، ومن أهمها:
المعادلات السياسية الداخلية في إيران وتجاذبات المحافظين والإصلاحيين في ضوء الوضع الاقتصادي وتداعيات معركة طوفان الأقصى، وموقف إدارة دونالد ترامب Donald Trump من إدارة العلاقة مع إيران انفتاحاً واحتواء، وخصوصاً ما يتعلق بملفها النووي.
سياسات إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية، ومدى الجدية والنجاح في تنفيذ تهديداته بتهجير سكان قطاع غزة والسيطرة عليه، وكذلك موقفه من تنفيذ “صفقة القرن” وخطة ضمّ مساحات واسعة من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.
تطورات معركة طوفان الأقصى، ومسار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث في قطاع غزة، واحتمالات تجدد القتال في قطاع غزة، وتطورات التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية.
قدرة حزب الله على استعادة عافيته، وتجاوز آثار الحرب وترميم ما تضرر من إمكانات عسكرية، وتطورات الوضع السياسي والميداني في لبنان فيما يخص الانسحاب الإسرائيلي، والعلاقة بين حزب الله وبقية الأطراف اللبنانية.
تطورات المشهد السياسي الداخلي في العراق، ومستقبل العلاقات الإيرانية العراقية وتأثيرها على دور فصائل المقاومة العراقية في الساحة العراقية.
تطورات الوضع في سورية، من حيث التأثير على طرق الإمداد لحزب الله، وموقف الإدارة السورية من الاحتلال الإسرائيلي.
تطورات الوضع الإسرائيلي الداخلي على الصعيد السياسي، ومدى استقرار حكومة بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu.
وفي ضوء المعطيات والمؤشرات القائمة، يُرجّح أن يتمكن محور المقاومة من التكيّف مع التحديات الصعبة التي فرضتها تداعيات معركة طوفان الأقصى. وبالرغم من الأضرار التي أصابته، فمن المتوقع أن يحتفظ بدور مهم على المستوى الإقليمي، وأن يسعى خلال الفترة القادمة إلى تعزيز حضوره وتجاوز التراجعات، عبر استثمار إنجازات المعركة، وترميم القدرات التي تضررت.
وبتأثير الأداء الميداني والسياسي والإعلامي المميز لحركة حماس في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، ونجاحها في التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مشرّف ومتوازن وتبادلي لم يلزمها بتقديم أي تنازلات تتعلق بسلاح المقاومة ووجودها، يُتوقّع أن يتزايد وزنها وأهميتها المركزية بالنسبة لمحور المقاومة.
ويُتوقّع كذلك أن يتم تقييم فكرة “وحدة الساحات” من حيث النظرية والتطبيق، باتجاه يعبر أكثر عن “تكامل الساحات”، واستخلاص المزيد من الدروس والعبر ومعالجة القصورات.
0 تعليق