التخطيط والذكاء الاصطناعي في عصر الغباء الطبيعي!!

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الذكاء الاصطناعي هو تقنية المستقبل التي تظهر المنطق والقدرات الذهنية الشبيهة بالإنسان، مثل حل المشاكل واتخاذ القرار وتوليد الأفكار. والغباء الطبيعي هو تكرار فعل الشيء نفسه في كل مرة ثم انتظار نتائج مختلفة. وفق هذا المنطق، فلا يمكن التخطيط بالإجراءات التقليدية نفسها أو توليد خطط عمرانية تتسم بالجمود وغير قابلة لاستيعاب المتغيرات الحديثة، ثم انتظار منتجات عمرانية خلاقة. البيئات العمرانية اليوم يفترض أن تستشرف المستقبل والمعطيات الحديثة، والعوائد الحضرية المكتسبة، وخاصة في مجال أنظمة معالجة البيانات الضخمة ودورها في اتخاذ القرار التنموي وتحسين جودة الحياة والمشاركة المجتمعية. إن الإشكالات الحضرية لا يمكن التعامل معها كجزء منفصل؛ بل كحلقة متكاملة تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعات المحلية.

وعلى مدار التاريخ تأثرت المدن بالتطور الصناعي والتقني؛ فالعمران يستفيد من التطور العلمي في ابتكار أفضل الوسائل لتحقيق الغايات. ولكن في الوقت الذي تتطور فيه التقنية يخفق العقل البشري أحيانا في التفكير والتحليل المنطقي ليصبح أسيرا للآلة والتقنية والذكاء الاصطناعي. إنه عصر الغباء الطبيعي، حيث يقود التحول المفرط في توظيف التقنية الحديثة إلى تعطيل مدارك التفكير؛ لتتحول الأفكار الى مجرد نماذج محاكاة، أو مناظر جمالية، أو أرقام تميل أكثر الى المعطيات الهندسية حتى لو تصادمت مع المنطق. حلول عمرانية تتجه إلى الأمام نحو مزيد من البناء والتطوير دون أن تلتفت إلى الوراء لمحاولة فهم أخطاء الماضي، وتوثيق التجارب، وقراءة المسار الإجرائي الذي يساهم بتطوير المنتج العمراني.

تتعاظم المشاكل العمرانية يوما بعد يوم ونقف مكتوفي الأيدي في معالجتها؛ لأنها بنيت على قوالب ثابتة. تأتي الحلول لترقيع هذه القوالب أو لتخفيف أثر المشكلة ولكن بعد فوات الأوان. وتستمر منظومة التطوير بـ»المُحركات التقليدية» نفسها، لتنتج لنا بيئات تحمل الطابع نفسه المليء بالمشاكل الحضرية؛ لنحاول معالجتها جسديا، ثم نشعر بالإنجاز في مشاهدة الفرق بمنطق العمليات التجميلية نفسه. وعندما نحاول إنتاج بيئات عمرانية خلاقة نرسم مسارا بديلا دون أن نفكر كيف نصلح المسار التقليدي؟ وهكذا تتسع الفجوة بين المنتج العمراني والمجتمع، ويصبح المجتمع في كثير من الأحيان غير قادر على استيعاب التحولات العمرانية أو التماهي معها؛ بل أراه أسيرا لقوى السوق التي تستهدف الربحية على حساب العوائد الاجتماعية.

إن تخطيط المدن بمعزل عن استيعاب الموارد والسكان يجعل المدينة تتحول إلى هيكل مادي يتكون من شوارع ومباني ومقاعد جلوس ومتاجر ومساحات خضراء وواجهات رخامية وهي ليست كذلك. فالمدينة هي البيئة الجامعة التي تسعى لتنمية الإنسان واستثمار الموارد لخلق حياة سعيدة. المدينة هي تلك التي توفر الفرص المتكافئة للجميع وتحقق العدالة الاجتماعية وتحمي الفئات المستضعفة وصولا إلى الارتقاء بأساليب المعيشة. إن تخطيط المدن يفترض أن يترجم المستهدفات التنموية العليا لجميع القطاعات بما في ذلك النقل والإسكان والبنية التحتية والبيئة والصحة والتعليم وفرص العمل وبدائل الطاقة.

أحيانا تتوسع المدن لغرض النمو وتلبية الطلب المستقبلي؛ ولكن دون رسم نموذج منطقي يتسم بالشمولية وقادر على الارتقاء بأساليب المعيشة. غياب هذا المنظور الاستراتيجي سوف يقود إلى خطط عمرانية تؤكد على مبدأ «النمو» بديلا عن «التنمية». حلول تؤكد على وضع قوالب جاهزة، ونماذج معلبة، وكيانات عمرانية مستقلة بذاتها. هذه الحلول غير مرتبطة في كثير من الأحوال بفهم الظروف الاجتماعية والثقافية والأطر التشريعية المحلية.

باختصار، علينا إصلاح المسار الإجرائي للتخطيط العمراني؛ إذا أردنا بناء نموذج عمل قادر على توليد منتج عمراني مستدام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق