استقبل الأردنيون ملكهم عبدالله الثاني استقبالا شعبيا حافلا حال عودته الأسبوع الفائت من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث خرج الأردنيون كبارهم وصغارهم، نساءهم ورجالهم، ليقولوا لملكهم بصوت واحد: نحن معك قولا واحدا.
جاء هذا الاستقبال المهيب ردا على محاولة الرئيس ترامب إحراج الملك عبدالله الثاني وفرض أجندته خلال مؤتمره الصحفي العابر، قبل أن يبدأ لقاءهما السياسي المغلق، انطلاقا من سياسة القوة؛ لكن خطته لم تنجح، وإن ولغ في ذلك بعض المغرضين إعلاميا، حيث أبدى الملك عبدالله بكل سياسة وأدب دبلوماسي تحفظه على ما طرحه ترامب، مشيرا إلى أهمية أن تعيش المنطقة حالة كبيرة من الاستقرار، وأن تدعم أمريكا مشروع السلام العادل، موضحا أن هناك موقفا عربيا موحدا إزاء ما يتم طرحه، ومشيرا إلى سمو الأمير محمد بن سلمان باسمه وشخصه في حواره، وكأني به أراد أن يَعدل دفة الطاولة بذكر أهم قوة استقطاب في الشرق الأوسط وهي السعودية بقيادة ولي العهد ورئيس مجلس وزرائها الأمير محمد بن سلمان. وقد كان.
أراد الرئيس الأمريكي ترامب أن يمارس استراتيجيته في حلبة المصارعة، فكان موقف الملك الدبلوماسي المحنك والثابت، الذي يعكس موقفا عربيا صارما مفاده بأن تغيير القواعد الاستراتيجية في المنطقة لعب بالنار، وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه جريمة كبرى، إذ بدل أن يحصل الفلسطيني على حقه الإنساني والقانوني في تقرير مصيره، واستعادة حقوقه السياسية والمدنية، ورفع جور الاحتلال الإسرائيلي عن كاهله، يأتي المستعمر الأمريكي الغربي الجديد ليحتل ما عجزت إسرائيل عن احتلاله، من بعد تبريره لكل جرائم الإبادة التي ارتكبها.
أمام كل هذا الصف الغربي يبرز سؤال مركزي وهو: هل نحن أمام مرحلة جديدة من التغيير الجيوسياسي في المنطقة، ومؤتمر لوزان جديد أسوة بما حدث مطلع القرن العشرين الميلادي؟ وما هي خيارات المرحلة التي يجب أن يدركها الساسة العرب ليتخذوا موقفا استراتيجيا منها؟
واقع الحال، فإذا كانت بريطانيا وفرنسا قد تمكنتا من تقسيم المنطقة أوائل القرن العشرين وفق مصالحهما الاستراتيجية سياسيا واقتصاديا، في ظل غياب عربي سياسي كامل، فإن ذلك ليس ممكنا اليوم في وجود قوى سياسية عربية واعية ومدركة وتملك خياراتها الاستراتيجية.
وبالتالي فمهم أن تكون خيارات المرحلة واضحة للآخر، ومهم أن يدرك الرئيس ترامب بأن واقع المنطقة وتقسيمها الجيوسياسي بات عصيا على التغيير، وأن ذاكرة الشعوب وقناعاتها وإراداتها لا تتغير، في ظل تنامي الوعي والإيمان بالهويات الوطنية الخاصة، بالاتساق أيضا مع الهوية العربية الإسلامية الجامعة.
وعليه فلا مجال لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه الذي ينتظر الانصاف والحرية والعيش بكرامة وعدل، وآن الأوان لإسرائيل أن تدرك بأن الاستقرار والأمان لا يتأتى إلا بالسلام العادل، وهو ما تؤمن به الدول العربية إجمالا، وتنطلق منه المملكة العربية السعودية في سياستها إزاء قضية فلسطين واستقرار الإقليم.
0 تعليق