فتاوى

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

• ورد في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاء رمضان غُلِّقَت أبواب النار، وفُتِّحَت أبواب الجنة، وصُفِّدَت الشياطين"، فما معنى "صُفِّدَت الشياطين"؟ هل معنى ذلك على حقيقته أم لا؟

"صُفِّدَت" بمعنى كُبِّلَت وغُلِّلَت. قيل إن ذلك على حقيقته، أي أنهم يُصفَّدون، أي يُغلّون بالسلاسل، بسلاسل الحديد، وقيل إن ذلك خاصٌّ بمردة الشياطين؛ لأنه ورد هذا اللفظ في بعض روايات الحديث، وقيل إنهم أصناف من الشياطين الذين يُصفَّدون ويُغلّلون، وأما غيرهم فهم على أصل ما كانوا عليه، وقيل إن المقصود هو ضعف تأثيرهم بتصفيد الشياطين، أي ضعف تأثيرهم بأحوال عموم المؤمنين، وذلك لأن المؤمنين في حالة الصيام يكونون أكثر احترازًا من المعاصي والذنوب، فلا يحققون فيهم مبتغاهم. بل إن لجوء العباد إلى الله تبارك وتعالى، حين تلبسهم بحالة الصيام، وكثرة العبادة، وتلاوة القرآن، وكثرة الذكر، يجعلهم في حصانة ووقاية من وساوس الشياطين.

فهذا هو معنى التصفيد: أنهم لا يحصلون على مرادهم من المسلمين في شهر رمضان بسبب بركات رمضان وفيوضاته، وبسبب إقبال المسلمين على صنوف العبادات والطاعات التي تقوِّي عُرَى الإيمان، وتعزز التقوى في نفوسهم، وتبلغهم الخشية من الله تبارك وتعالى، فيكونون أبعد عن التأثر بوساوس الشيطان ومداخله. هذا هو المعنى، وهذه هي الأقوال أو أشهر الأقوال في معنى هذا الجزء من الحديث الشريف، وهي كلها معانٍ متقاربة، وكل ذلك وارد.

وقيل إنهم المردة وأصناف من الشياطين، وأما من سواهم من ذريّاتهم وكفرة الجن والأبالسة، فإن هذا الوصف لا يصدق عليهم. لكن في كل الأحوال، فإن الحديث يدل في مقدمته على أن أبواب الجنة تُفتح، وأبواب النار تُغلق، فهو شهر رحمة، شهر فيض من عند الله تبارك وتعالى، كله فيض رحمة وبركة وخير، وقبول للطاعات، حيث تكون نفوس المؤمنين أقرب إلى تقوى الله عز وجل، والإتيان بالصالحات، والتنافس على الطاعات، كقيام الليل، وإحياء ليالي رمضان، وتحري ليلة القدر، والالتزام بالكف عن محارم الله، وتلاوة كتاب الله عز وجل وتدبره. فهذه الحالة الإيمانية التي يكونون عليها لا شك أنها تغيظ الشيطان وأولياءه، وأنها تصدُّ كيد الشياطين عن المؤمنين العابدين، أيا كانوا، والله تعالى أعلم.

• هل يأثم من صادف موضع سجود في المصحف إذا لم يسجد؟ سواء كان قارئًا أم مستمعًا؟ وهل يشترط أن يكون على طهارة إذا صادف سجدة؟

من لم يسجد عند موضع السجود في التلاوة، فقد خالف الأولى، وفوَّت أجرًا عظيمًا، لا سيما القارئ. فعندما يمر على آية سجدة، فإن الأولى في حقه أن يسجد. نعم، من كان يكرر لأجل الحفظ أو المراجعة، فإنه يُرخص له أن يسجد في تلاوته لآية السجدة في المرة الأولى، ثم بعد ذلك يُعذر من تكرار السجود، لأنه يذاكر، ويراجع، ويحفظ. أما القارئ الذي يمر بآية سجدة ولا يسجد، فقد خالف الأولى وفوَّت أجرًا عظيمًا، لأن السجود في هذا الموضع فيه إذعان لله تبارك وتعالى، وخضوع لآياته، وتعظيم له سبحانه وتعالى، وتأسيٌّ برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-. فكل هذه المعاني ستفوته.

أما بالنسبة للسامع، ففيه خلاف، لكن أمره أهون من القارئ نفسه. فكلاهما إن أمكن لهما السجود، فلا ينبغي لهما تركه، وإلا يكونان قد فوَّتا أجرًا عظيمًا وخالفا ما هو أولى.

أما اشتراط الطهارة للسجود، ففيه خلاف عند أهل العلم. لكن مما ينبغي أن يتذكره المسلم أن قراءة القرآن يُشترط لها الطهارة، وإن لم يكن ذلك شرطًا، فإنه يُعد من آداب التلاوة. فمن آداب تلاوة كتاب الله عز وجل أن يتطهر المسلم، ويتوضأ، ويرفع كل الأحداث عنه، ويكون في مكان طاهر، ويعظم كتاب الله عز وجل، ويقبل عليه بعقل حاضر وقلب واعٍ، فكل هذه من الآداب التي تعينه على الخشوع. فمن باب أولى أنه إذا مر بآية سجدة أن يسجد وهو متوضئ، لكن إن كان في حالة لم يكن فيها متوضئًا، وقرأ آية سجدة أو سمعها وهو منصت إليها، فلا يُمنع من السجود، والله تعالى أعلم.

• أرملة موظفة ولديها أبناء، هل يجوز لها أن تنفق على نفسها من راتب زوجها المتوفى التقاعدي، وتدخر راتبها؟

إن كان لها نصيب من الراتب التقاعدي، وأظن أنه بحسب النظام المعمول به عندنا لها نصيب، فهنا ينتفي الإشكال وينتفي الحرج. وإن كان الراتب التقاعدي يذهب للأولاد، وهي قائمة بشؤونهم، فلها أن تأكل بالمعروف، أي تنفق عليهم من هذا المال وهي معهم.

أما فيما يتعلق بنفقتها الشخصية، فإن أخذت فلتأخذ بالمعروف، دون مبالغة، ودون أن يؤثر ذلك على نفقة عيالها.

فهذا الأمر مرده إلى مراعاة العدل والإنصاف، وعدم مجاوزة الحد. والله تعالى أعلم. فإن أمكن لها أن تدخر لهم، فذلك أولى من ادخارها لنفسها، لأنهم قد يكونون قُصَّرًا أو يتامى، فإن استهلكت المال دون أن تترك لهم شيئًا، فقد يكون في ذلك تضييع لمال اليتامى. فيجب أن تنتبه، وأن تزن كل هذه الاعتبارات، وتأخذها في الحسبان، والله تعالى أعلم.

• شخص صائم، وأثناء نومه أحس بشيء من السوائل تخرج من معدته وتصل إلى نهاية حلقه وبداية الفم من جهة الحلق، وبدون انتباه منه بلع هذه السوائل مرة أخرى دون تعمد، وعندما انتبه كانت قد رجعت مرة أخرى إلى الداخل؟

إن كانت هذه السوائل لم تتجاوز الحلق، ولم تصل إلى الموضع الذي يمكنه فيه أن يخرجها، فلا حرج عليه. أما إن كانت قد وصلت إلى موضع من الفم، وكان يمكنه إخراجها لكنه لم ينتبه، فالأحوط له أن يقضي صيام ذلك اليوم، لكن دون أن يشكك في صحته. أما حسب سؤاله الآن، فإنها كانت في الحلق فقط، والله تعالى أعلم.

• هل يكفي الاتصال في صلة الأرحام؟ أم لا بد من الزيارة المباشرة؟

يعود ذلك إلى جملة من العوامل، أولها القصد والنية، فإذا لم يكن القصد القطيعة أو الهجر، فذلك حسن. والثاني ألا يقتصر دائمًا على مجرد الاتصال دون الزيارات، أي أن يكتفي بالاتصال أو بالتواصل عبر الوسائل الحديثة دون أن يشفع ذلك بشيء من الزيارات، وتفقد الأحوال، وتحسس ذوي قرباه وأرحامه.

لكن لا يمكن القول بأن من يصل رحمه بالوسائل الحديثة يُعتبر قاطعًا. فصلة الرحم فضلها عظيم، وقطيعتها فيها إثم عظيم. لذا، ينبغي للمسلم أن يكون حريصًا على صلة رحمه قدر استطاعته، وأن يحتسب الأجر من الله، وأن يسعى إلى الجمع بين الاتصال والزيارة إن أمكن، والله تعالى أعلم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق