loading ad...
عمان- حينما يحتضن الأب اختلاف ابنه، يتحول التحدي إلى هبة. مصطفى دنو من حب غير مشروط، وأبوة لا تقف عند رابطة الدم، بل تمتد لتجسد قدرة على العطاء اللامتناهي، وامتحانا للصبر، وإرادة تتجلى في تفاصيل الحياة اليومية.
أن تكون أبا لابن مصاب بالتوحد، يعني أن ترى العالم بعينين مختلفتين، وأن تلمس الحب في نظرة، في لمسة، في لحظة تواصل غير متوقعة.اضافة اعلان
قرر الأب مصطفى دنو أن ينشر الوعي عن اضطراب التوحد بعد إصابة ابنه بالمرض - (من المصدر)
ربما يكون الطريق مليئا بالأسئلة، بالحيرة، وحتى بالخوف، لكن حين يبدأ التقبل لهذا الابن كما هو، من دون محاولات تغييره، عندها فقط يبدأ الابن بالتحسن.
تقبله لابنه لم يكن استسلاما للواقع، وإنما إدراكا عميقا بأن التوحد ليس نقصا، بل طريقة أخرى لفهم الحياة. هو يعلم أن ابنه ليس بحاجة للشفقة، بل للفهم، ليس بحاجة لتصفيق مزيف، بل لفرصة. ولذلك، لم يكن يرى النهايات أبدا.
رحلة نشر التوعية
أبو عبد الوهاب أراد أن تكون رحلته مع ابنه رسالة لنشر التوعية حول اضطراب التوحد، فلم يكن ابنه عبئا عليه يوما. اقتناعه بأن الحب ليس كلمات فقط، بل صبرا واهتماما وحياة تنبض بالأمل رغم التعثر أحيانا، جعله يمضي. كان يكفيه أن هناك عينين صغيرتين تنظران إليه وكأنه الكون بأكمله، وهذا وحده كان كافيا لأن يستمر.
يبين والد عبد الوهاب في حديثه لـ"الغد" أن مواجهة الأهل لحقيقة أن ابنهم مصابا بالتوحد هو قرار يحتاج منهم القوة والتضحية معا فهو وعن تجربة يرى أن في البداية تكون الصدمة كبيرة، فقد تسللت إلى قلبه بلا توقع كان الخبر موجعا وقاسيا عليه، لكنه مع ذلك حاول أن يستوعب الحقيقة التي كسرت معنى المألوف لديه.
هذا الأب الذي بدأ يعايش حقيقة أن ابنه مختلف يحمل في داخله طريقة تفكير خاصة لا تشبه نهائيا ما كان يتوقعه يختار أن يكون الجدار الصلب ليواجه هذه الصدمة بكل ما فيها، لذلك قرر أن يترك عمله كمدير تسويق لسلسلة مصانع ويتجه لدراسة كل ما يتعلق باضطراب التوحد.
قراره لم يكن مجرد قرار بالتقبل، بل هو بداية رحلة طويلة من الفهم والرعاية والقوة على الاستمرار مهما كانت التحديات صعبة. يقول: "القوة هنا كما يفهمها هو تعني استعداده لتقديم ما هو أبعد من تقبل الواقع إنها قوة التكيف التعلم والجدية في بناء بيئة داعمة. هو لا يقبل أن تكون تلك الصدمة عائقا أمام الحياة فكان الحل أن يتخذ منها دفعة جديدة للمضي قدما، مدركا أن الصبر والمثابرة سيكونان أساس الرحلة بدلا من الاستسلام.
الصبر والمرونة في التواصل الفاعل
ويلفت إلى أن توجيه الابن المصاب بالتوحد يتطلب فعليا من الأهل التخلي عن فكرة الكمال أو مقارنته بالآخرين، عليهم أن يفهموا هنا أن البحث عن طرق جديدة للتواصل هو ما يساعد الابن على التعبير عن نفسه، الأمر الذي يجعل من الأهل حتما شركاء في رحلة الاكتشاف، فيتعلمون منه كما يتعلم منهم.
ويشير إلى أن اختباره لهذه التجربة زاد من وعيه أكثر كما مكنه من أن يكون مصدر القوة والسند لابنه، فالتعامل مع ابن مصاب بطيف التوحد يحتاج إلى نوع خاص من الصبر والمرونة، يبدأ هذا الدعم بالتفهم واكتشاف كل ما يشعر به بمنحه الحب من دون شروط.
دوره كأب أن يقف جسرا بين ابنه والعالم الخارجي يقدم له يد العون ويرشده في خطواته ويراعي خصوصيته. إضافة إلى أنه يعزز من قدرة ابنه على مواجهة التحديات اليومية هو من يعطيه القوة لمواصلة السير رغم الصعوبات، هو ذلك الشخص الذي لا يتوقف عن المحاولة لإيجاد طرق جديدة للتواصل والتطور.
مصطفى كأب يمثل القوة الأولى التي تشكل حياة ابنه ولهذا قرر أن يكون سفيرا لنشر الوعي عن اضطراب التوحد وكل ما يخص هذه الفئة من مشاعر ورعاية وتأهيل ودمج، من خلال المبادرات التي أسسها والندوات وورشات العمل. أراد أن يكون المتحدث عن هذه الفئة من عمق التجربة ليكون الصوت لمن لا صوت له، فكانت مبادرته التطوعية الأولى تحت مسمى "ملتقى طيف التوحد".
مصطفى ركز كثيرا على توعية الأهالي أنفسهم ودعمهم ليتصالحوا مع حقيقة أبنائهم وتقبلهم كما هم، فهؤلاء الأشخاص لديهم إمكانات مختلفة، عن الأشخاص الآخرين وقدراتهم متفاوتة وواجب الأهل تجاههم أن يكتشفوا هذه الإمكانات ويوجهونها بطريقة صحيحة تجعل منهم أشخاصا فاعلين في المجتمع، وأيضا يعطي الأولوية للتأهيل من خلال التدخل المبكر وللتعليم الدامج والتشغيل الذي هو حق لهم كفله القانون.
اجتهد بكل طاقته لتطوير مهارات ابنه وتمكينه من أن يكون له مستقبل رحلة التعلم والاكتشاف هذه ليست سهلة لكنه قرر أن يكون القائد فيها مع مجموعة من المتخصصين، ليصل بابنه إلى طريق أفضل أكثر أمانا ليستطيع أن ينجح ضمن حدود قدراته ويبدع فيما يحب.
مبادرة ملتقى طيف التوحد
ومن خلال مبادرة ملتقى طيف التوحد استطاع عدد كبير من الأهالي التعرف على طبيعة أبنائهم وفهم نقاط مهمة عن التوحد كانت غامضة بالنسبة إليهم، فهذه المبادرة رغم بساطتها إلا أنها كانت لهم بمثابة الدليل والمرشد وكانت عوضا عن الوقت الطويل الذي ضاع بين المراكز من دون فائدة، بل وأكثر من ذلك تحملهم أعباء مادية كبيرة الأمر الذي المبادرة تلتفت لنقطة مهمة وهي أن الاختصاصيين في هذا المجال يدرسون في الجامعات مناهج قديمة وهذا طبعا ليس ذنبهم ولا يسيء لهم، لذلك كان لا بد من تأسيس شركة تعمل على التدريب وفق الأساليب الحديثة وأطلق عليها اسم ABA Resources وهي بالشراكة مع الدكتور محمود الشياب، أول محلل سلوك دولي عربي معتمد. والتدريب لا يقتصر على الأردن فقط، بل اتسع ليشمل الوطن العربي ككل إضافة إلى أن المتدرب في هذه الشركة يحصل على شهادة اعتماد دولية.
وعن طموحه تجاه مستقبل ابنه أوضح مصطفى، أنه بعيد تماما عن الأمنيات التقليدية هو طموح ينبع من عمق الحب الذي لا يمكن تقييده طموح يبني جسورا من الأمل رغم التحديات. هو كأب يواجه الواقع بوضوح يعي تماما قدرات ابنه ويشتغل لتحسينها قدر المستطاع ليرى ابنه بأفضل صورة ممكنة.
ويشير إلى أن هذه الفئة بمختلف إمكاناتها قادرة على التعلم لكن بشرط أن نسمح لهم باحتراف ما يحبون وأن نساعدهم فقط على تنمية ما يحتاجونه من مهارات لينجحوا ويحققوا ذواتهم. يقول: "هدفه أن يصل مع ابنه في التعليم إلى أقصى حد يستطيع الوصول إليه وحتى وإن لم يخض المرحلة الجامعية يطمح إلى أن يعلمه مهارات يجد نفسه فيها، وتؤهله لأن يدخل سوق العمل ويستقل ماديا. فرؤيته لابنه على أنه شخص قادر تدفعه لأن يبني معه مستقبلا بعيدا عن التوقعات التقليدية بطريقة تحترم إمكاناته.
وأخيرا، يطالب بتطبيق القانون الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة لتصبح الحياة أسهل وأكثر تقبلا، كما يدعو الأهل إلى أن يكونوا مرنين مع أبنائهم في هذه الرحلة ويفخروا بهم مع كل إنجاز يحققونه. ويشدد على أهمية الصبر والحضور العاطفي، لأن الصبر هنا فن من فنون الحب وليس مجرد قدرة على التحمل، فأحيانا كل ما يحتاجونه هو نظرة مليئة بالحنان أو لمسة طمأنينة أو حتى الجلوس بجانبهم بصمت كلها أفعال تحمل دعما عميقا قد لا تعبر عنه كل الكلمات.
0 تعليق