لا تزال تداعيات الرسوم الجمركية الأحادية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب تلقي بظلالها على العالم، على وقع ترقّب لحرب تجارية عالمية، خاصة بعدما بدأ موظفو الجمارك الأمريكية أمس الأول السبت تحصيل الرسوم بنسبة 10% على جميع الواردات من العديد من الدول، حيث دخل القرار حيّز التنفيذ في الموانئ والمطارات ومستودعات الجمارك الأمريكية، في حين أنه من المقرّر أن يبدأ فرض رسوم أعلى على سلع من 57 شريكاً تجارياً خلال الأيام المقبلة.
وأدى إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية، الأربعاء الماضي، إلى ارتباك أسواق الأسهم العالمية بشدة، حيث خسرت شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما قيمته 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية عند إغلاق الجمعة الماضي، وهو انخفاض قياسي على مدى يومين، في حين تراجعت أسعار النفط والسلع، بينما لجأ المستثمرون إلى السندات الحكومية كملاذ آمن.
وبحسب ما كشفت ونقلت وكالات الأنباء العالمية، فهناك حالة تخوّف كبيرة يتوقّعها محللون وخبراء لأسواق المال، اليوم، مشبّهين الأمر بأنه يرقى إلى أن يكون «حمام دم»، خاصة وأن يومي الخميس والجمعة الماضيين شهدا موجات بيع ضخمة ربما تؤدي إلى سوء الأوضاع أكثر فأكثر، الأمر الذي دعا شبكة «سي إن بي سي» إلى أن تُحذّر من تفاقم التضخم، وتوقف النمو الاقتصادي، وتكرار سيناريو عام 1987، ما لم يقم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطوات لتخفيف الضرر الزائد في أسواق المال العالمية.
وفرض الرئيس ترامب تعريفة جمركية 10% على جميع الواردات من 180 دولة، وفرض تعريفة جمركية أكثر صرامة على 6 من أكبر الشركاء التجاريين «الاتحاد الأوروبي 20% - المكسيك 25% - الصين 54% - كندا 25% - اليابان 24% - فيتنام 46%)، وسيدخل ذلك حيّز التنفيذ بعد غد الأربعاء في التاسع من أبريل الجاري. وهو ما يُمثّل فعلياً أكبر زيادة ضريبية في الولايات المتحدة منذ عام 1968، وفقاً لما ذكره بنك «جي بي مورغان».
ولقد صاحب قرار ترامب أو «يحموم ترامب» بمعنى أدقّ، إجراءات انتقامية وردود فعل سريعة خاصة من الصين التي قرّرت فرض ضريبة 34% على الواردات الأمريكية، على وقع توقعات بإجراءات مماثلة من كندا والاتحاد الأوروبي، وأن تحذو دول أخرى حذوها في الأسابيع المقبلة، بما يعني أن سوق الأسهم قد تنخفض بشكل أكبر إذا تصاعدت الحرب التجارية، بحسب ما رصدت وكالات الأنباء العالمية.
وقد كان لافتاً، تصريحات الرئيس الأمريكي قبل ساعات، حينما اعتبر أن الحرب التجارية الأمريكية على الشركاء التجاريين ستؤتي ثمارها في الولايات المتحدة، لكن «هذا الأمر لن يكون سهلاً»، داعياً إلى «الصمود»، وذلك غداة ردٍّ صيني وتراجع كبير لأسواق المال العالمية.
وكتب الرئيس الأمريكي على منصته تروث سوشال أن «الصين تلقّت ضربة أكثر شدة بكثير مما تلقّت الولايات المتحدة، نستعيد وظائف وشركات كما لم نستعد من قبل، إنها ثورة اقتصادية وسنربح، اصمدوا، هذا الأمر لن يكون سهلاً، لكن النتيجة النهائية ستكون تاريخية».
وقالت كيلي آن شو المحامية التجارية في مؤسسة هوغان لوفيلز والمستشارة التجارية السابقة للبيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى: «هذا أكبر إجراء تجاري أحادي في حياتنا».
وأضافت خلال فعالية لمؤسسة بروكينغز أنها «تتوقع أن تتطور الرسوم الجمركية بمرور الوقت مع سعي الدول للتفاوض على معدلات أقل».
وتابعت، «لكن هذا أمر هائل، إنه تحوّل جذري وهام في طريقة تعاملنا التجاري مع كل دولة على وجه الأرض».في المقابل، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي مستعد للدفاع عن مصالحه من خلال تدابير مضادة متناسبة، إذا لزم الأمر.
وقالت، في بيان: «الاتحاد الأوروبي ملتزم بالانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية»، وأضافت: «إننا عازمون على العمل مع الشركاء في مواجهة هذا الواقع الجديد للاقتصاد العالمي»، وأوضحت أن «كل شريك تجاري سيتصرف وفقاً لأولوياته الخاصة بشأن الرسوم الجمركية».
من هذا المنطلق، يقف العالم على أطراف أصابعه مترقّباً ما ستُفسر عنه الحرب التجارية العالمية التي أطلق شرارتها ترامب، خاصة وأن أسواق المال العالمية تتعرّض لخسائر متتالية، كما أن «الأمر لن يكون سهلاً»، مثلما اعترف الرئيس الأمريكي بنفسه في تصريحاته الأخيرة.
0 تعليق