في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها البحرين، برز مؤتمر الابتكار في قطاع السكن الاجتماعي كعلامة فارقة في مسيرة التنمية، ليس فقط لكونه فعالية إسكانية، بل لأنه عكس نضجاً استراتيجياً في إدارة أحد أكثر الملفات ارتباطاً بحياة المواطن البحريني واستقراره الاجتماعي.
الرسالة كانت واضحة: السكن ليس منحة، بل هو حق أصيل وركيزة من ركائز العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي، هذا ما عبرت عنه رعاية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وتأكيد الحكومة على التزامها بتوفير 50 وحدة سكنية وفق التوجيهات الملكية السامية، وتسريع وتيرة الإنجاز من خلال برامج تمويلية فورية وتوسع شراكاتها مع القطاع الخاص عبر برنامج «حقوق تطوير الأراضي الحكومية لتكون هي الحلول المبتكرة والشراكات الذكية.
نحن لا نتحدث هنا عن مشاريع بناء أو مخططات إسكانية فقط، بل عن تحول نوعي يترجم مبادئ رؤية البحرين الاقتصادية 2030 في العدالة والاستدامة والتنافسية، ويحيل الملف الإسكاني من كونه مسألة خدمية إلى أداة استراتيجية لإنتاج التنمية وترسيخ كرامة المواطن.
ومن أبرز ما ميز هذا التوجه الجديد هو تقديم خدمات إسكانية فورية ومتنوعة تراعي احتياجات المواطن وتفضيلاته من خلال برامج تمويل مثل «تسهيل +»، الذي أثبت نجاحه في تمويل آلاف المستفيدين خلال فترة قصيرة كما أشارت وزارة الإسكان وبنك الإسكان، فهو برنامج ذكي يجمع بين المرونة والسرعة، ويمنح المواطن حرية اختيار السكن وفق قدراته وذوقه دون انتظار سنوات طويلة، ومن المهم الإشارة إلى أن البرامج التمويلية الجديدة قد ساعدت في النصف الثاني من 2024 وحدة في تمويل أكثر من 3200 مستفيد وفق أرقام بنك الإسكان.
الخطوة الأهم في تقديري هي خروج السياسة الإسكانية من القوالب التقليدية إلى فضاء الابتكار والمبادرة، حيث لم يعد المواطن منتظراً سلبياً على قوائم الانتظار، بل شريكاً فاعلاً في صياغة مستقبله السكني، وهذا ما يتجسد بوضوح في المبادرات التفاعلية التي تتيح للمواطنين اختيار النمط السكني والتمويلي الذي يناسبهم بما يواكب تغيرات الواقع المعيشي ومتطلبات الأجيال القادمة، مما يعكس نضج السياسة الإسكانية البحرينية وقدرتها على موازنة الدعم الحكومي مع كفاءة الإنفاق وتحقيق الاستدامة المالية.
المعرض المصاحب للمؤتمر لم يكن احتفالاً شكلياً، بل منبراً عملياً ووطنياً للتكامل المؤسسي جمع الجهات الحكومية والبنوك التجارية والشركات العقارية تحت سقف واحد ليعرضوا أبرز المشاريع الإسكانية والعروض التمويلية، ويقدموا حلولاً متكاملة تعزز من فرص المواطن في الحصول على سكن ملائم في أقصر مدة ممكنة، بما يعزز الشفافية، ويرفع من وعي المواطن حول الخيارات المتاحة.
بحسب الإحصائيات الوطنية، فإن نسبة المواطنين المستفيدين من الخدمات الإسكانية ارتفعت من 62% في 2014 إلى ما يزيد عن 83% في نهاية 2023 وهو ما يعكس قوة الدفع الحكومي في هذا الملف، ويؤكد أن قطاع الإسكان لم يعد مجرد قطاع خدمي، بل أصبح رافعة اقتصادية تساهم في النمو، وتفتح آفاقاً استثمارية حيوية خاصة أن القطاع العقاري يشكل نحو 7.5 من الناتج المحلي الإجمالي بحسب التقارير الرسمية.
فحين تربط قضايا السكن بالجودة والكرامة والعدالة نكون قد تجاوزنا مرحلة الاكتفاء العددي، وانتقلنا إلى بناء مدن إنسانية لا إسمنتية، فتصبح جودة الحياة هدفاً، وهذا هو جوهر التوجه البحريني اليوم، إسكان مستدام، ممول بذكاء، مخطط بشراكة، وموجه نحو المستقبل، فما تقوم به البحرين اليوم وبكل ثقة – برؤية القيادة ومتابعة الحكومة – هو تأصيل لنهج تنموي حديث حيث عينها على مستقبل يليق بمواطنيها.
* إعلامية وباحثة أكاديمية
0 تعليق