شاهدتُ فيلماً يحكي قصة رجل لا يستطيع النوم جيداً لأنه يرى كوابيس للحظة موت أخيه الصغير، بالتأكيد يمثل فقدان الأخ أو أحد الأحباء تجربة مأساوية قد تترك أثراً عميقاً في نفسية الطفل ونشأته. وقد يجد الطفل نفسه في مواجهة مشاعر معقدة من الحزن، والغضب، والشعور بالوحدة والذنب. وتؤثر هذه المشاعر بشكل مباشر على نموه العاطفي والاجتماعي، بل وقد تمتد آثارها إلى سلوكه وتحصيله الدراسي وعلاقاته بالآخرين.
استيعاب الطفل لمفهوم الموت
يختلف إدراك الطفل للموت باختلاف عمره ومستوى نموه العقلي. الأطفال الصغار غالباً ما يرون الموت كأمر مؤقت أو شيء يمكن التراجع عنه، بينما يبدأ الأطفال الأكبر سناً في استيعاب أن الموت أمر نهائي. رغم هذا، قد يبقى الفهم العاطفي للموت ضعيفاً، ما يخلق حالة من التشتت والخوف. وهنا تظهر أهمية أن يتمّ تعريف الطفل بالموت بصدق وبلغة مبسّطة تناسب عمره، بعيداً عن العبارات المضللة مثل "ذهب إلى مكان أفضل" أو "نائم ولن يستيقظ"، والتي قد تزيد من ارتباكه وخوفه.
أسئلة الطفل مثل: "أين ذهب أخي؟" أو "هل سأموت أنا أيضاً؟" هي إشارات واضحة إلى حاجته لفهم الحقيقة في إطار من الطمأنينة والدعم.
تلعب العائلة دوراً محورياً في دعم الطفل خلال هذه المرحلة، من خلال:
الإصغاء لمشاعره باحترام واحتواء دون أحكام.
تشجيعه على التعبير بالرسم، أو القصص، أو اللعب.
مشاركة ذكريات دافئة عن الراحل.
إظهار الحزن أمامه، ليشعر أنه ليس وحيداً في مشاعره.
الصدق والحنان هما الأساس في مساعدة الطفل على بناء صورة واقعية ولكن مطمئنة عن معنى الموت والحياة بعد الفقد.
كذلك إذا كان الشخص المتوفَّى يُمثِّل عاملاً أساسياً لاستقرار عالم الطفل، فقد يكون الغضب أحد ردود الفعل المُحتملة، وقد يظهر الغضب في اللعب الصاخب، أو الكوابيس، أو التهيج، أو مجموعة متنوعة من السلوكيات الأخرى. غالباً ما يُظهِر الطفل غضبه تجاه أفراد الأسرة الباقين على قيد الحياة. أيضاً بعد وفاة أحد الوالدين، سيتصرَّف العديد من الأطفال بشكل أصغر مما تفرضه مراحلهم العمرية. قد يصبح الطفل أكثر طفولة مؤقتاً، ويحتاج إلى الاهتمام والعناق حتى وإن لم تكن هذه هي عادته، قد يطلب طعاماً غريباً، وقد يُبلِّل سريره ليلاً.
كذلك ينبغي عدم إجبار الطفل الذي يخاف من حضور جنازة على الذهاب، لأن الطفل لو لم يكن مستعداً فسيُشكِّل له هذا الأمر في ذاته صدمة. أيضاً من الأشياء التي يمكن تعليمها للأطفال أن الصلة بالمتوفَّى لم تنقطع تماماً، فقط تغيّرت صورتها، يمكن إخبار الطفل أنه يُمكنه تذكُّر لحظاته الجميلة مع الشخص الراحل والدعاء له أو إشعال شمعة أو مشاهدة الصور التي كانت تجمعه به.
يجب السماح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم بشأن فقدهم وحزنهم بطريقتهم الخاصة. من المُرجَّح أن يُظهِر الأطفال مشاعر الحزن بشكل متقطع على مدى فترة طويلة من الزمن، خاصة خلال المناسبات مثل الأعياد الدينية والمناسبات العائلية.
تلعب المدرسة، باعتبارها البيئة الثانية الأهم في حياة الطفل، دوراً لا يقل أهمية عن دور الأسرة. المعلمون والمستشارون النفسيون يمكنهم تقديم دعم حقيقي من خلال:
مراقبة سلوك الطفل وتقديم إشارات مبكرة عند ملاحظة تغيرات غير معتادة.
إتاحة مساحة للطفل للتعبير عن مشاعره داخل الصف أو من خلال جلسات الدعم النفسي.
إدماج الطفل في أنشطة جماعية تعزّز شعوره بالانتماء وتخفّف من شعوره بالعزلة والحزن
بالتأكيد أن تجربة الموت تجربة قاسية على الطفل، لكنها يمكن أن تكون لحظة تعلم ونمو إذا وجد البيئة المناسبة التي تحتوي حزنه وتفهم مشاعره. من خلال دعم الأُسرة والمدرسة، يمكن تحويل الألم إلى فرصة لبناء شخصية أكثر تعاطفاً ووعياً. فالحزن، رغم مرارته، قد يحمل بداخله بذور النضج والتعاطف الإنساني.
0 تعليق