تُعدّ عملية بناء القدرات المؤسسية إحدى الركائز الحيوية لنجاح واستدامة المنظمات الخيرية وغير الربحية، فهي لا تقتصر على تطوير المهارات الفردية للعاملين فحسب، بل تشمل أيضاً تعزيز البنية التنظيمية، وتحسين العمليات الداخلية، ورفع الكفاءة التشغيلية لضمان تقديم خدمات فعّالة ومستجيبة لاحتياجات المجتمع.
تشير الأبحاث إلى أن المنظمات غير الربحية التي تستثمر بشكل منهجي في بناء قدراتها المؤسسية تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات وتحقيق نتائج ملموسة.
ووفقاً لتقرير Bridgespan Group، فإن 80% من المنظمات التي تبنّت خططاً استراتيجية شاملة لبناء القدرات تمكّنت من مضاعفة أثرها المجتمعي خلال خمس سنوات، مقارنة بنظيراتها التي لم تعطِ هذا الجانب أولوية.
تشمل مجالات بناء القدرات المحورية: القيادة الرشيدة، والإدارة المالية الشفافة، والتخطيط الاستراتيجي، وتنمية الموارد، وإدارة المعرفة، والتقنية الرقمية، إضافة إلى تعزيز ثقافة التعلّم والتقييم.
فعلى سبيل المثال، تُسهم القدرات التكنولوجية الحديثة في تمكين المنظمات من تحسين آليات جمع البيانات وتحليلها، مما يُتيح قرارات أكثر دقة واستجابة أكثر فاعلية للاحتياجات المجتمعية.
من الجدير بالذكر أن التمويل التقليدي غالباً ما يُخصّص لتنفيذ البرامج والمشاريع، بينما يُهمل جانب الاستثمار في البنية المؤسسية.
وقد دعت منظمات عالمية مانحة مثل Ford Foundation وMacArthur Foundation إلى إعادة النظر في هذا النهج، مؤكدين أهمية تخصيص نسبة من التمويل لبناء القدرات التنظيمية لضمان استدامة الأثر.
وفي السياق العالمي، برزت تجارب متعدّدة تُعدّ نماذج يُحتذى بها. فعلى سبيل المثال، أطلقت مؤسسة Bill & Melinda Gates Foundation برامج شراكة مع منظمات محلية في أفريقيا وآسيا لتطوير أنظمتها الداخلية ومهارات كوادرها التنفيذية.
كما اعتمدت منظمة CARE International نهجاً تكاملياً لبناء القدرات يشمل التعلّم المؤسسي، والمساءلة، وتمكين القيادة المحلية، وهو ما عزّز فعالية تدخلاتها في مناطق النزاع والكوارث.
كذلك، تبنّت منظمة Oxfam نموذجاً تدريبياً يركّز على تطوير القيادات النسائية المحلية ضمن شبكاتها الإقليمية، ما ساهم في ترسيخ الحوكمة المحلية وتحقيق نتائج تنموية طويلة الأمد.
أما منظمة TechSoup Global، فقد لعبت دوراً محورياً في تمكين آلاف المنظمات غير الربحية حول العالم من الوصول إلى أدوات رقمية بأسعار مدعومة، وتوفير تدريبات على إدارة البيانات والأمن السيبراني.
إنّ بناء القدرات ليس ترفاً تنظيمياً، بل ضرورة استراتيجية لتمكين المنظمات من تحقيق رؤيتها ورسالتها بفعالية وكفاءة.
ويتطلب ذلك شراكات واعية بين المانحين، والقيادات المؤسسية، والمستشارين، لتأسيس بيئة داعمة للتعلّم والتطوير المستمر، مما يُسهم في تعزيز الأثر المجتمعي وبناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة.
0 تعليق