أدب الأطفال والمستقبل: قراءة في تجربة الهدهد من منظور تربوي وثقافي

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- قال متحدثون إن أدب الأطفال والفتيان يشكل إحدى الركائز الأساسية في بناء وعي الأجيال الجديدة، وتشكيل ملامح شخصيتهم الوطنية والثقافية والاجتماعية، بما يحمله من قيم، ورؤى، ورسائل تغذي عقولهم وتزرع فيهم الأمل والقدرة على التغيير.اضافة اعلان
وجاء هذا في الندوة التي نظمتها لجنة العلوم الاجتماعية في رابطة الكتاب الأردنيين بعنوان "قصص الأطفال والفتيان والإعداد للمستقبل"، أول من أمس في مقر رابطة الكتاب الأردنيين. حيث سلطت الندوة الضوء على أهمية هذا اللون الأدبي، من خلال قراءة في أعمال القاصة روضة الفرخ الهدهد، التي كرست كتاباتها لخدمة قضايا الطفولة والوطن والهوية.
الندوة تناولت عددا من المحاور المهمة التي تتعلق بمضامين أدب الأطفال، وتأثيره في بناء الوعي، ومساهمته في تربية النشء على التفكير العلمي، والمواطنة، والانتماء، إلى جانب نقد بعض الثيمات المكرّرة التي قد تُقيد تطلعات الأطفال أو تُرسّخ أنماطا اجتماعية تقليدية.
تحدث في الندوة التي أدارها الدكتور رياض ياسين، التربوية والقاصة المتخصصة في أدب الأطفال روضة الهدهد، التي تعدّ واحدة من أبرز الكتاب المتخصصين في أدب الأطفال والفتيان، حيث كانت لها بصمة واضحة في توجيه الأدب نحو القضايا الاجتماعية والوطنية الكبرى، فضلاً عن اهتمامها العميق بالقضايا التربوية. 
إلى ذلك، قدم الدكتور مجد الدين خمش، عميد كلية الآداب الأسبق في الجامعة الأردنية وأستاذ التاريخ الاجتماعي، قراءة نقدية معمقة في مجموعة من قصص الهدهد وحول الأدب الموجه للأطفال بشكل عام، ورؤيته لما يجب أن يكون عليه أدب الأطفال في العصر الحالي.
وقدمت الندوة قراءة معمقة في عالم أدب الأطفال والفتيان، واستكشاف كيفية تحضيرهم لمستقبل مشرق عبر القصص التي تنقل لهم القيم الإنسانية والتربوية، كما تمثل فرصة لتبادل الآراء والأفكار بين الأكاديميين والمبدعين حول كيفية تطوير هذا النوع الأدبي بما يتناسب مع احتياجات الأجيال الجديدة.
في البداية، استعرض الدكتور مجد خمش أبرز المحطات في مسيرة روضة الفرخ الهدهد، مشيرًا إلى أنها خبيرة تربوية وإدارية، وناشطة اجتماعية، وقد حازت على جائزة الدولة التقديرية في أدب الأطفال، كما حصلت على درع سلاح الجو الملكي الأردني عن كتابها الذي تناول سيرة الشهيد الطيار فراس العجلوني، بعنوان "الأسد فوق حيفا في حرب حزيران عام 1967"، مشيرا إلى ان الهدهد نالت جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية. وتبرز في قصصها وحكاياتها ومسرحياتها، الموجهة للأطفال والفتيان والكبار، البطولات الفلسطينية والأردنية والعربية في مواجهة الاحتلال الاستعماري.
ورأى خمش أن الهدهد صاحبة فكر قومية حيث تقف إلى جانب الحقوق العربية في كل مكان، وتستخدم الكلمة والصورة والرسومات والخرائط الجغرافية لإيصال رسائلها الإيجابية، التي تهدف إلى تحفيز الفتيات لمزيد من الانتماء للوطن وقضاياه ومصالحه العليا، سواء في فلسطين، أو الأردن، أو في أرجاء الوطن العربي، كما يتجلى ذلك في عدد من كتبها المنشورة.
ثم تطرّق الدكتور خمش إلى كتاب "أنا والطوفان – مذكّرات"، الصادر عام 2024، موضحا أن الكاتبة في هذه المجموعة القصصية تتوحد فيه عاطفيا مع مجريات "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، وتنقل مشاعرها الوطنية وانطباعاتها عن هذا اليوم البطولي. وقد عززت الكتاب بصور ملونة توثق الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والسياسية الداعمة لغزة ومعاناتها من الاحتلال، مبرزة شجاعة أهلها وصمودهم.
واستعرض خمش مشاركة الهدهد الواسعة مع مجموعات من النساء والشباب من مختلف الأصول والمنابت، في جهود دعم غزة. وشعبها، بالإضافة إلى تنظيم أشكال الدعم والإغاثة في عدة مدن، لا سيما عمان والعقبة والزرقاء، بالتعاون مع تكايا الإغاثة، ومؤسسي العمل الإغاثي الأردني، ومنظمات المجتمع المدني المختلفة، وخصوصا جمعية يافا الخيرية. كما أبرزت الهدهد جهود نشامى الأمن العام في الحفاظ على أمن وسلامة الاعتصامات الأهلية السلمية نصرة لغزة وفلسطين.
ثم تحدث خمش عن قصة "عرس الروح – الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود" (1989)، حيث تُذكّر القارئ بمطلع قصيدته الوطنية: "سأحمل روحي على راحتي * * وألقي بها في مهاوي الردى.. فإمّا حياة تسرّ الصديق * * * وإمّا مماتٌ يغيظ العدى".
وأضاف خمش أن الشاعر عبد الرحيم محمود كان معلما للفتيان، وتلميذا للشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان، الذي شجّع موهبته الشعرية والوطنية. ولإنجاز هذه الحكاية بصدق وواقعية، عملت الهدهد كباحثة ميدانية، فدرست سيرة الشهيد عبد الرحيم محمود وتوحدت مع رؤيته للحياة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي. ومن خلال عملها التربوي، سلّطت الضوء على دور الأسرة والمدرسة والمجتمع في تنشئته، خصوصا في مدينة "عنبتا"، مسقط رأسه، مشيدة بجماليات الريف الفلسطيني وقيمه، مثل التمسك بالأرض، ورفض الاحتلال، والمطالبة بحق العودة.
ثم أشار خمش إلى أن الهدهد تحفّز الفتيان على القراءة، وتنقل على لسان الشهيد قوله: "مع القراءة يشعر الفرد أنه يركب جوادًا أصيلًا، فيطير إلى كل بقاع الدنيا" (ص. 9 من الحكاية). وقد قدّمت الهدهد في أعمالها الأخرى، مثل:"صراع في الغابة" "، 1989، "زيتونة ستي حفيظة"، 1988، "ماكينة الخياطة ومعركة الضرائب" ، 1990، "سر جبال الأوراس – جميلة بوحيرد" ، 1988، حيث قدمت رؤى تربوية ووطنية تُعزز الوعي بالقضايا الكبرى بأسلوب مبسّط وواقعي.
ثم قدّم خمش ملاحظات نقدية حول أدب الأطفال والفتيان، مؤكدًا على وجود تكرار لثيمات خرافية مثل شخصية الغول، والسحر، ومصباح علاء الدين، وطاقية الإخفاء، وهذا وفق خمس، ما يبعد الأطفال والفتيان من الجنسين عن الواقع الحياتي، ويُضعف قدرتهم على التفكير العلمي، وحل المشكلات بأساليب واقعية وعملية. وأكد على أهمية استخدام أدب الأطفال كوسيلة لبناء الوعي الاجتماعي، وتشجيع التفكير العلمي، من خلال سياسات وبرامج مبنية على مناهج علمية.
وأشار إلى أن بعض القصص ترسّخ الأدوار التقليدية بين الجنسين، مثل اعتماد الذكور على الأم والأخت في أداء المهام المنزلية، ما يخلق حواجز نفسية لاحقًا، ويؤثر على انخراطهم في سوق العمل، ويزيد معدلات البطالة، مؤكدًا أن حوالي 44 % من المتعطلين عن العمل من الشباب الذين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، ورغم توفر فرص العمل البسيطة، فإنهم يرفضونها أو يترددون في قبولها.
وخلص خمش إلى أن هناك غيابا واضحا لثيمات تنموية في أدب الأطفال والفتيان، مثل الريادة، وإنشاء المشاريع الصغيرة، والابتكار، والتمكين، والمواطنة، والمساواة بين الجنسين، والتقليل من الثقافة الذكورية. وهذه القيم يمكن تضمينها في حبكات قصصية مبسّطة مدعّمة بالرسوم والشهادات الواقعية لفتيان نجحوا في تطبيقها.
في ختام الندوة، شكرت القاصة روضة الفرخ الهدهد الدكتور خمش على قراءته النقدية، قائلة:"من عنوان الندوة "قصص الأطفال والفتيان – الإعداد للمستقبل" يتبين أن من أعدّها قد وضع مستقبل الأطفال، وبالتالي مستقبل الوطن، ضمن الرؤية والرسالة المطلوبة من أدب الأطفال."وأضافت أن كاتب الذي يكتب للأطفال يجب عليه أن يكتب برؤية مستقبلية، فكما قال برنارد شو: "الكتابة أو الفن هو رسالة، وليس فنًا للفن فقط". وأوضحت الهدهد أن رابطة الكتّاب تولي الجيل الجديد أهمية قصوى، ويكفي دلالة على ذلك استضافتها لمجموعة من الفتيان والفتيات من مدارس "الوطن العربي"، الذين قدّموا رؤيتهم وتأثرهم بما كتبته لهم.
وقالت الهدهد إن استضافة هذه المجموعة هو نموذج على أن أدب الأطفال الذي أكتبه هو لبناء جيل واعٍ، يعرف واقعه ويحدد دوره في مستقبله. فالحاضر كما الماضي، يؤسس للمستقبل . وعلينا ألا نُعرّف أبناءنا بالحاضر أو الماضي بطريقة تُطفئ الأمل في نفوسهم، بل ونجعل منهما منارة تُضيء الطريق لمستقبل مشرق."
وأكدت أن مهمة الكاتب للأطفال ليست ترفًا، ولا مجالًا للتجريب، بل هي مهمة مقدسة تُسهم في بناء عقول أبناء هذا الوطن. شاركة الدكتور مجد خمش  على تقديمه دراسة أكاديمية في عدد من قصصها وكتبها الموجّهة للفتيان والأطفال، وأنا ممتنّة له على ذلك. فنحن الكتّاب لطالما قلنا، ولا نزال نؤمن، بأن جامعاتنا ومراكزنا الثقافية وأساتذتنا يسهمون في تحليل ما نكتبه، كي نرتقي معًا في تقديم الأفضل لأبنائنا. فمهمة الكاتبة للأطفال ليست ترفًا، ولا مجالًا للتجريب، بل هي مهمة مقدسة، تُبني بها العقول، ويُعدّ من خلالها الجيل لمستقبل مشرق.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق