مرّ أسبوعان على وقف إطلاق النار في غزة، بين الفصائل الفلسطينية والكيان المحتل، لكن هذا الهدوء النسبي لا يعني النهاية، ولا يعني انقضاء المعاناة أو انتهاء الدور المطلوب من الشعوب العربية والسياسات الرسمية. فوقف إطلاق النار يجب ألا يُنسينا 467 يوماً من القتل والإبادة التي ارتكبها الاحتلال بحق شعب أعزل، ولا ينبغي أن يكون مبرراً للتراجع عن موقف عربي حازم يرفض المساومة على الحقوق الفلسطينية.
الحصيلة الإنسانية للحرب الأخيرة كارثية بكل المقاييس. وفقاً لوزارة الصحة في غزة، فقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين حتى 15 يناير 2025 حوالي 47,283 شهيد، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال الذين شكلوا 70% من الضحايا. هذا الرقم المهول يكشف عن حقيقة أهداف الاحتلال، التي لم تكن مواجهة الفصائل المقاتلة فقط، بل القضاء على كل أشكال الحياة في غزة، دون تمييز بين طفل أو امرأة أو مدني.
رغم هذا الألم، كان للحراك الشعبي العربي والعالمي دور بارز في التصدي لهذه الجرائم والكشف عنها للعلن. المظاهرات والفعاليات التي انطلقت منذ 7 أكتوبر 2023، أظهرت أن الشعوب الحية قادرة على تحريك الرأي العام العالمي والضغط على الحكومات. أما التحركات السياسية العربية، فقد لعبت دوراً محورياً في إجبار الاحتلال على قبول شروط الفصائل الفلسطينية.
وهنا، لا بد من الإشادة بالجهود الدبلوماسية البحرينية، والتي قادها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، رئيس الدورة الحالية للقمة العربية الثالثة والثلاثين، حفظه الله ورعاه، حيث أجرى جولات دولية شملت روسيا والصين وبريطانيا وآخرها لفرنسا، حيث حشد خلالها دعماً دولياً للقضية الفلسطينية، وأثمرت هذه الجهود عن مواقف إيجابية، أبرزها تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعم بلاده لجهود مملكة البحرين في تحقيق الأمن والاستقرار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي دائم.
إن قضية فلسطين ليست مجرد نزاع سياسي، إنها قضية حق وعدل. لا يمكننا أن نعيش بقناع النفاق، ونتظاهر بقبول الظالم الذي يقتل إخوتنا. التضامن مع غزة يجب أن يكون موقفاً ثابتاً، لا يقتصر على المظاهرات أو البيانات، بل يتجسد في مقاطعة كل داعم لآلة الحرب والقتل. جرح غزة لن يندمل إلا بالحرية، ولن تهدأ ضمائرنا إلا عندما ينال الفلسطينيون حقوقهم كاملة، ويعودوا إلى أرضهم بكرامة وعزة.
فلسطين ليست مجرد أرض، إنها قضية حياة، ولن تكون غزة آخر ساحة للمقاومة فحسب، بل ستكون بداية لعهد جديد من العدل والحرية. لأن الحق لا يموت، ولأن الشعب الذي يؤمن بحقه ويصر على نيله، لا بد أن ينتصر.
0 تعليق