إحسان الحياة

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تكن حياة "إحسان" حياة عادية كباقي البشر، فهو وُلد ونشأ في بيئة تُحب الخير، وتسعى لأن يكون لأبنائها شأنٌ كبير في الحياة. نشأ إحسان في بيئة خصبة تعشق التحدي، وتعشق أن يكون ديدنها كتابة المجد لأفرادها، وتجعل هدفها ترك بصمات الأثر الإيجابية في كل مكان. درس إحسان في بداية انطلاقته الحياتية في بيئة مدرسية متميزة تُشجع على الإبداع، وكان دائماً يحرص أن يكون في طليعة المشاركين في الأنشطة المدرسية مما ساهم في صقل شخصيته وإبرازه دوره الاجتماعي.

كان يحمل في قلبه مشروعاً حياتياً منتجاً، رسمه بيمينه بطريقة عملية مع رفاقه في الحي البسيط، عندما كان يشارك أصدقاءه ألعابهم الشعبية، تبنّى يوماً فكرة (البياعة الصغيرة)، والتي قرر أن يجعلها مصدراً للعطاء، بدلاً من مجرد التفكير في الكسب المادي. لم تكن الفكرة تدور حول المال بقدر ما كانت تعكس شغفه بالتواصل الاجتماعي، إذ يكفيه أن يتسابق رفاقه لشراء مُنتجاته، ليترجم هذا التواصل إلى محبة وعطاء.

شارك إحسان في العديد من الأنشطة المدرسية، وعلى رأسها (طابور الصباح) الذي كان بالنسبة له وسيلة لتنمية المهارات، وتوصيل رسائل قيّمة للطلبة. بدأت مشاركاته منذ المرحلة الابتدائية، واستمرت حتى الجامعية التي رسمت له منحى آخر في الإنتاجية، وساهمت في رسم عطاء الخير في حياته. فكان للمجتمع الجامعي أثرٌ كبير في قيمة النتاج الذي قدّمه وساهم في إثرائه.

أما عطاءات المجتمع، فلم يكتفِ إحسان بأن يكون بليداً في مشاعره، فكان يحسّ بمشاعر غيره، من أحبابه، ومن أحوال المسلمين في كل مكان. يتفاعل مع كل القضايا ويحوّلها إلى كلمات مؤثرة يكتبها هنا وهناك، وإلى "خواطر" يلقيها على مسمع من يُحب. ولقضية فلسطين جانبٌ مهم في تفكيره، فكان ديدنه أن تكون هذه القضية هي تلك الزاوية من تفكيره التي تتجدد بين الحين والآخر، والتي لا يمحوها الزمن مهما مرت السنوات.

دائماً ما تراه بسيطاً في التفكير في مشروعات المجتمع، وعملياً في التنفيذ، ومؤثراً في كل مشروع. فهو لا يرضى بأن يكون "عادياً" بقدر ما تكون فيه لمسات حقيقية لرسائل هادفة تفيد الآخرين عندما يشاركون فيها ويتبنون قيمها.

كان ينظر للحياة بأنها كلها إحسان، ولا يقبل أن يُقدّم أي خير أو يُنفّذ أي مهمة دون أن تكون في ميزان "الإحسان". كان يتبنّى حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء...". فهو يُحسن لحياته كلها ولوقته، وإن حاد أحياناً عن منهجه لبعض النزغات الشيطانية، فسرعان ما تراه يعود إلى جادته، وإلى تلك الخطوات التي رسمها في منهجيته. ترى بركة ذلك ومنهجية العطاء اللامحدود في كل خطوة يخطوها في عمل الخير، فهو يرى الحياة كلها خيراً، ويُقدّر كل إنسان يبذل الخير. فالحياة تعجّ بالفضلاء الذين سخّروا أوقاتهم من أجل خدمة الآخرين، ومن أجل أن يكونوا بلسماً للجروح وتضميدًا للآلام. لم يضع يوماً حدّاً لأي تعامل مع غيره، بل يُشارك الجميع من أجل أن تتحقق أهدافه وغاياته التي كتبها في مجال "رسم الأثر الإيجابي".

إحسان يُحب أن يرى ازدهار الحياة بالقيم المثلى التي يُحبها، فشغفه أن يُقابل ذلك الطالب الذي تتلمذ على يده ليحكي له كيف ارتقى اليوم بفضل تلك الكلمات التي تعلمها منه، وأن يحتضن ذلك الشاب الذي نشأ على قيم الخير وتعلّم الحياة بمفهومها الواسع، وتعلّم كيف يكتب رسالته ويصنع هويته. شغفه أن يُباشر مشروعاته الحياتية التي هي بابه الواسع نحو "الفردوس الأعلى" فلا يتقاعس عنه قيد أنملة، ولا ييأس من طرق أبواب الخير التي اعتادها. فثقته بالله كبيرة، بأن يكون معه في لحظات الخير.

حكاية "إحسان" لا تتوقف عند محطة بعينها، ولا في عمر معين، بل هي حكاية ذلك المرء الذي لم يعتد أن يظل مكتوف الأيدي، ولم يعتد أن تهزمه الظروف أو أن يكون حبيس الأهواء والأحزان، بل اعتاد أن يتغلب على تلك الأعاصير، وأن يقبل التحدي في كل محطة، وألا يستسلم مهما كانت الظروف، وأن يشكر المولى الكريم على تلك النعم التي أنعمها عليه، والتي لولاها لعاش المرء في تيهٍ ومنغصات، ولظل يتأفف من الحياة، لأنه اعتاد أن يكون في فسحة من العيش بلا ثوابت ولا حدود، فاعتاد التقصير والولوج في المحرمات عياذاً بالله.

ومضة أمل: حكاية "إحسان" هي رسالة يحكيها لمحبيه في إشراقة كل صباح، وفي لقاء المحبين بأجواء الشتاء الجميلة، وسحابة الخير التي تمطر على سوانح الأرحام. حكايته حكاية حب لله تعالى، وابتغاء مرضاته، والشوق للقائه، والشوق لما أعده للمُحسنين. حكاية لا تنتهي... فموعد قطف ثمارها هناك في الفردوس الأعلى، مراتع المُحسنين بما قدموا من الخير في دنياهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق