رسالة إلى قادة الشرق الأوسط: الحظ يساند الشجعان

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

جون بولتون – (الإندبندنت) 2025/1/28

 

يطرح جون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي الأميركي، تساؤلات حول ما إذا كان قادة الشرق الأوسط سيتغنمون الفرص المتاحة لتحقيق سلام واستقرار دائمين في المنطقة. ويرى أن الإدارة الأميركية الجديدة تفتقر للوضوح في تحديد اتجاهاتها المستقبلية، وينبه إلى أن أحد أكبر أوجه عدم اليقين قد يكون الرئيس دونالد ترامب نفسه، الذي يعتمد على منطق الصفقات والارتجال بدلاً من الاستراتيجيات المدروسة.اضافة اعلان
                                 ***
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة وغير مسبوقة هذه الأيام، ويأتي الانهيار الذي طال انتظاره لنظام بشار الأسد في سورية، كأحدث دليل على هذه التغييرات الكبرى. في الوقت نفسه يتوقع أن يزيد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني (يناير) من زخم هذه التطورات. لكن السؤال الأهم المطروح الآن هو ما إذا كان اللاعبون الرئيسون سيغتنمون الفرص المتاحة في الوقت الراهن لتحقيق سلام واستقرار دائمين في المنطقة، قبل أن تذهب هذه الفرص أدراج الرياح. وعلى الرغم من ما يحيط بالمشهد من تحديات معقدة وضبابية، يبقى على القادة أن يستلهموا الحكمة الرومانية القديمة التي تقول إن "الحظ يساند الشجعان".
من اللافت أن أحد أبرز أوجه عدم اليقين قد يتمثل في ترامب نفسه. خلال ولايته الأولى كان ينظر إليه على نطاق واسع على أنه مؤيد لإسرائيل من دون تردد، وهو ما تجلى بوضوح في قراره نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، واعترافه بسيادة إسرائيل على المناطق المتنازع عليها في مرتفعات الجولان، ومع ذلك سيكون من الخطأ افتراض أن هذا النهج قد يتكرر بالضرورة في ولايته الثانية.
على سبيل المثال، تحمل نظرة ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدرًا من الانتقاد أكبر مما قد يتوقعه بعضنا. برز ذلك بوضوح عندما أعرب ترامب عن غضبه من نتنياهو بسبب تهنئته الرئيس جو بايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسية في العام 2020. وبينما بدت هذه المبادرة عادية وغير ملفتة بالنسبة لمعظم العالم، فإنها تعارضت مع إصرار ترامب على الترويج لفكرة أن الانتخابات الأميركية سرقت منه على يد "الديمقراطيين" -وهي الرواية التي قوضها نتنياهو بتهنئته. حتى في وقت سابق، أشار ترامب في إحدى المقابلات إلى أنه يعتقد أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أبدى رغبة في تحقيق السلام أكثر من نتنياهو، وهو تصريح لا يعكس الثقة في الزعيم الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحنكة السياسية التي يتمتع بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يفوق في دهائه ترامب بكثير، قد تكون سبباً إضافياً لإثارة غرور الرئيس الأميركي وتأجيج التوتر بينهما.
في الواقع، ربما يصبح هوس ترامب بالسعي إلى عقد الصفقات والتفاوض على أي قضية كانت، حتى مع آيات الله في إيران، هو العنصر الأكثر تأثيراً في سياسته تجاه الشرق الأوسط. وكما ذكرتُ في كتابي "الغرفة حيث حدثت الأمور" The Room Where It Happened، كان ترامب على وشك عقد لقاء مع وزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف، خلال قمة "مجموعة السبع" في شهر آب (أغسطس) من العام 2019 في مدينة بياريتز الفرنسية. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طرح على ترامب فكرة عقد مثل هذا اللقاء فور وصوله، وأبدى ترامب ميلاً إلى الموافقة في بداية الأمر. وأثناء التشاور في غرفة الفندق الذي كان ينزل فيه مع جاريد كوشنر ورئيس موظفي البيت الأبيض، ميك مولفاني، نصحتُ بشدة بعدم إجراء هذا اللقاء. وفي النهاية قرر ترامب عدم مقابلة ظريف، إلا أن اللقاء -كما وصف دوق ويلينغتون هزيمة نابليون في معركة واترلو- كان "أمراً على وشك أن يحدث بصورة لا تصدق".
تجدر الإشارة هنا إلى التدخل اللافت لترامب قبل تنصيبه في الجهود المطولة التي قام بها جو بايدن للتوسط بين "حماس" وإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بينهما وإطلاق سراح الرهائن. بعد سبعة أشهر من مفاوضات لم تكن موفقة، أدى الضغط الذي مارسه ترامب على إسرائيل إلى موافقة نتنياهو أخيراً على اقتراح بايدن، أو على الأقل القبول بالمرحلة الأولى منه. وأراد ترامب أن ينسب إلى نفسه الفضل في إطلاق سراح الرهائن، بما يذكّر بالأيام الأولى لرئاسة رونالد ريغان عندما أطلقت إيران سراح دبلوماسيين أميركيين كانوا قد احتجزوا في السفارة الأميركية في طهران خلال الثورة الإسلامية في العام 1979. وعلى هذا النحو، يمكن قول أن ترامب نجح في هذا المسعى حيث فشل بايدن. ولكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان الرئيس يدرك أن خطة بايدن تتضمن مراحل أخرى غير مؤكدة، وكذلك الاحتمالات المتعلقة بإتمام المرحلة الأولى بنجاح، ناهيك عن المحطات اللاحقة.
مع ذلك، ظهرت على نحو غير متوقع مؤشرات قبل تنصيب ترامب رئيساً وبعده، على أنه قد يعتقد أن الحرب في قطاع غزة قد انتهت بالفعل. وفي هذا السياق، أكد ستيف ويتكوف، وهو صديق مقرب من عائلة الرئيس ويعمل الآن مبعوثاً رئاسياً خاصاً إلى الشرق الأوسط، أن "المرحلة الثانية" من صفقة بايدن التي تركز على إجراء مزيد من المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، يجب أن تبدأ على الفور ومن دون أي تأخير. ومن غير المرجح أن يتماشى هذا مع توقعات إسرائيل. كما أن خبرة ويتكوف المحدودة، إلى جانب تبنيه النهج الترامبي المتمثل في السعي وراء "عقد الصفقات بأي ثمن" وتصريحاته العامة التي قد ينظر إليها على أنها ساذجة ومبسطة، سيكون من شأنها أن تعقد موقف إسرائيل وتؤثر عليه سلباً في الأمد القريب. وقد يفكر ترامب، الذي يبدو معجباً بجهود ويتكوف حتى الآن، في تكليفه بمهمة التعامل مع القضايا المتعلقة بإيران، على الرغم من أن هذا يبقى أمراً غير واضح أو مؤكد حتى هذه اللحظة، وقد أعرب كل من ترامب وويتكوف عن دعمهما لمواصلة الخيارات الدبلوماسية في مواجهة التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني.
إذا صحت هذه المعلومات، فإنها تضع رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام معضلة استراتيجية كبيرة، ويمكن تأكيد أن هذه اللحظة تمثل الفرصة الأمثل لكل من إسرائيل والولايات المتحدة لتفكيك برنامجي إيران للأسلحة النووية والصواريخ، حيث سبق وأن ألحقت إسرائيل أضراراً فادحة بمرافق إنتاج الصواريخ الإيرانية، ودمرت موقعاً واحداً على الأقل مرتبطاً باستخدام اليورانيوم عالي التخصيب في مجال التسليح. يضاف إلى ذلك أنها نجحت في تحييد أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية المتطورة من طراز "أس-300" التي حصلت عليها من روسيا. وأدت الهجمات الإسرائيلية المستمرة في سورية في أعقاب سقوط بشار الأسد إلى فتح ممر جوي يمنح إسرائيل إمكانية الوصول المباشر إلى إيران، وأصبح الطريق الآن سالكًا تماماً.
لكن العقبات ما تزال قائمة في المنطقة، ومن أبرزها استمرار وجود مخزونات الصواريخ الباليستية لدى كل من إيران و"حزب الله"، والتي تشكل تهديداً إما بتوجيه ضربات انتقامية ضد إسرائيل أو حتى القيام بشن هجوم استباقي للحد من خيارات نتنياهو. وفي الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل والأردن والدول العربية المجاورة التعامل بحذر مع النظام الراهن في دمشق، الذي تقوده مجموعة "هيئة تحرير الشام" الإرهابية. وقد عمد زعيم هذه الجماعة، أحمد الشرع، إلى التخلي عن لقبه الحربي واستبدال زيه العسكري بالبدلات الرسمية وربطات العنق، محاولاً تقديم نفسه على أنه يسعى إلى بناء حكومة مسؤولة ومستقرة في سورية. ولكن يبقى من غير الواضح مدى صدقية هذا التحول، وكذلك التطلعات التركية في سورية والمنطقة. وتشير التقارير إلى أن إدارة بايدن ذهبت إلى حد تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تنظيم "داعش" مع "هيئة تحرير الشام"، على الرغم من أنه من غير المعروف ما إذا كان ترامب سيستمر في هذا العمل المحفوف بالمخاطر.
لكن ما لا يمكن إنكاره هو أنه في حين أصبحت القدرات النووية والصاروخية لإيران في أضعف حالاتها، وأصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى، فإن إدارة ترامب الجديدة تبدو غير متأكدة من اتجاهاتها المستقبلية. ولا تقدم ولايته الأولى سوى قليل من الرؤى حول ما قد تحمله ولايته الثانية. حتى الآن، لا توجد استراتيجية ترامبية شاملة، حيث لا تشكل صياغة استراتيجيات كبرى جزءاً من أسلوبه المعتاد. بل إن نهجه يعتمد بصورة رئيسة على الصفقات العرضية والارتجالية إلى حد كبير. وهو غالباً ما يتخذ قراراته بناء على رأي آخِر مستشار أو شخص يلفت انتباهه. ومن المحتمل أن تحدد هذه العوامل مجتمعة المسار الفعلي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط في المستقبل.

*جون بولتون John Bolton: مستشار الأمن القومي السابق للولايات المتحدة الأميركية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق