أوهام القوة المتبادلة بين موسكو وواشنطن تنذر بمصير قاتم لأوكرانيا

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يحذر خبراء ومسؤولون سابقون من تداعيات خطيرة على أوكرانيا وأوروبا بسبب سوء تقدير ترامب وبوتين لقدراتهما، مؤكدين ضرورة تعزيز التحالفات الدولية والدفاعات الأوروبية لمواجهة تهديدات روسيا المتزايدة والتحديات الجيوسياسية المعقدة.اضافة اعلان
***
حذر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني ودبلوماسيون بارزون، في تصريح لـ"الإندبندنت"، من تداعيات خطرة تلوح في الأفق على أوكرانيا بسبب الغزو الروسي، نتيجة سوء تقدير كل من دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لقدرة كل منهما على التأثير على الآخر.
أدى فوز ترامب في الانتخابات الأميركية إلى زعزعة التزام أوروبا بدعم كييف "مهما استغرق الأمر"، حيث يسعى الرئيس الأميركي المنتخب إلى تسوية سريعة للنزاع، حتى لو تطلب ذلك الضغط على أوكرانيا للتنازل عن أراض تحتلها روسيا حاليا.
حول ذلك، يرى السير أليكس يانغر، الذي تولى رئاسة جهاز الاستخبارات البريطاني "أم. أي. 6" (MI6) خلال الفترة من العام 2014 إلى العام 2020، أن كلا الزعيمين يبالغ في تقدير قدرته على التأثير في الطرف الآخر.
ويقول يانغر: "يبدو أن ترامب يبالغ في تقدير قدرته على فرض صفقة تبادل أراضٍ على بوتين. فبوتين يطمح إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، خاصة وأنه يرى أنه ينتصر وبينما يتعين عليه أن يُظهر للشعب الروسي مزيدا من الإنجازات إذا كان يريد تبرير التضحيات الباهظة التي فرضها".
ويضيف: "كما أن ترامب يقلل من شأن التحدث ويبالغ في تقدير نفوذه". وترددت أنباء عن اتصال هاتفي جرى بين ترامب وبوتين في أعقاب فوز الأول بالانتخابات الأميركية، غير أن الكرملين سارع إلى نفي هذه التقارير.
في هذا السياق، حذر السير لوري بريستو، السفير البريطاني السابق في موسكو من العام 2016 إلى العام 2020 من خطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة، مشيراً إلى أنها قد تعكس غروراً متزايداً من جانب ترامب. وواجه الرئيس الأميركي انتقادات خلال ولايته الأولى عندما التقى بوتين في هلسنكي بفنلندا في العام 2018 من دون حضور مستشاريه. وأثار ترامب آنذاك جدلاً واسعاً حين ناقض خلاصات أجهزة الاستخبارات الأميركية، مؤكداً عدم وجود أي دوافع لتدخل روسي في انتخابات العام 2016 التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
ويقول السير بريستو متحدثا عن ترامب: "هذا السلوك يكشف بجلاء عن ثقة مفرطة وسوء فهم عميق لشخصية الرجل الذي يتعامل معه"، واصفاً بوتين بأنه "رجل استخبارات سوفياتية حتى العظم".
ويضيف: "من المجازفة المفرطة محاولة التعامل مع بوتين في أمور جوهرية من دون وجود مسؤولين رسميين في الغرفة".
أما في ما يتعلق بالجانب الروسي، فيؤكد رئيس الاستخبارات البريطانية السابق أن الرئيس بوتين "قد يستخف بأخطار الإمعان في سياسة التمادي في الضغط وفرض الأمر الواقع".
وفي حين قد يكون الرئيس جو بايدن أكثر التزاماً بالقواعد الدبلوماسية في رده على تهديدات بوتين، مما يثير استياء المسؤولين الأوكرانيين كما يقولون في السر، يبدو ترامب أكثر انفتاحاً على استخدام القوة.
ويوضح السير أليكس: "يسعى ترامب إلى إنهاء هذه الأزمة وطي الملف بأي ثمن. ويبدو أنه مستعد للتنازل عن الكثير. لكنه إذا شعر بأن النتيجة تتجه نحو الخسارة، فإنه قد يتخذ منحى مختلفا".
ويرى كيرت فولكر، المبعوث الأميركي الخاص السابق لمفاوضات أوكرانيا خلال الفترة 2017-2019 إبان الولاية الأولى لترامب، أن هذا التوجه قد يكون نقطة قوة للرئيس العائد إلى البيت الأبيض.
ويضيف فولكر: "ترامب لا يتحمل أن يستغله أحد أو يحاول خداعه. وأعتقد بأن هذا سيكون عاملا حاسما في تعامله مع بوتين".
لكن فولكر يشكك في احترام بوتين لأي اتفاق محتمل؛ ويقول: "من دون أدنى شك سوف يستغل الزعيم الروسي أي وقف لإطلاق النار لإعادة بناء قواته ومحاولة مهاجمة أوكرانيا مجددا، كما فعل خلال الاتفاقات السابقة المتعلقة بخطوط المواجهة في شرق أوكرانيا في العامين 2014 و2015".
غير أن فولكر يعتقد بأن ترامب سيقدم لأوكرانيا ضمانات أمنية تحول دون نجاح أي هجوم روسي محتمل في المستقبل. ويوضح "سوف يخلق ترامب من القوة ما يكفي لردع أي تحدٍّ روسي. هذا هو السبيل الوحيد".
ويرى فولكر -الذي شغل أيضاً منصب آخر سفير للرئيس جورج دبليو بوش لدى "الناتو"- أن ترامب سيضمن انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ويجبر الأوروبيين على دفع كلف ذلك. وفي الأثناء،  ستتواصل الإمدادات العسكرية لأوكرانيا بالقدر الذي يضمن استقرار خط المواجهة.
وحول كيفية إقناع بوتين بانضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، في ظل إصرار الزعيم الروسي على أن حياد كييف هو شرط أساسي لأي اتفاق، يرى فولكر أن موسكو لا تملك خياراً آخر. ويوضح: "لا سلطة لبوتين على قرار انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي و’الناتو‘. لسنا في حاجة إلى موافقة موسكو على هذا المسار. إنه تطور حتمي".
لكنّ السير أليكس والسير لوري يعتبران هذا الطرح ضرباً من التفكير المتمني. ومع ذلك، يتفق الجميع على أن الضمانات الأمنية لأوكرانيا هي قضية محورية.
ويؤكد السير أليكس: "يجب أن يكون الخط الأحمر هو ضمان استمرار وجود ما بقي من أوكرانيا كدولة ذات سيادة. وأعتقد أن بوتين سيضغط بقوة لتقويض هذا الهدف، لكن ذلك سيكون خطأً كبيراً".
ويضيف: "أعتقد أن ترامب يريد من أوروبا تحمل مسؤولية هذا الملف، وهو مطلب منطقي في حد ذاته. لكن المشكلة تكمن في أن أوروبا ليست جاهزة بعد لتحمل هذه المسؤولية".
ويعتقد السير أليكس أن هناك حاجة متزايدة لأن تحافظ واشنطن على علاقات قوية مع "الناتو" وحلفائها بصورة عامة، محذراً من أن ترك أوروبا تواجه روسيا بمفردها قد يقوض هذه التحالفات الاستراتيجية.
ويرى المراقبون أن أي مفاوضات مع بوتين بشأن أوكرانيا يجب أن تأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة على الأرض، حيث تقاتل روسيا اليوم إلى جانب قوات كوريا الشمالية، وتستخدم مسيّرات إيرانية، في حين تسعى جاهدة إلى الاستفادة القصوى من علاقاتها مع الصين.
ويؤكد السير لوري في هذا الصدد: "سوف تتطلب مواجهة مثل هذه التحديات المركبة والمتشعبة بصورة فاعلة الاعتماد على القوة التي تكمن في تحالفاتك". ويضيف: "ربما أكون مفرطاً في التفاؤل، لكن إذا كان [ترامب] يولي اهتماماً حقيقياً بالجغرافيا السياسية، فالمنطق يقتضي العمل مع الحلفاء وليس ضدهم في مختلف المجالات".
وأجمع جميع المسؤولين السابقين الذين تحدثوا إلى "الإندبندنت"، على نقطة محورية تتمثل في ضرورة أن تتخذ أوروبا خطوات جادة لتقوية منظومتها الدفاعية، ليس حماية لأوكرانيا فحسب، بل صوناً للقارة بأسرها. وهي خطوة صحيحة بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الأميركية.
وعلى هذا الصعيد، سارع القادة الأوروبيون، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، إضافة إلى مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية المقبلة كايا كالاس، إلى التأكيد على هذا الموقف في أعقاب إعادة انتخاب ترامب.
ويوضح السير أليكس: "يبدو لي أن المفتاح الرئيسي للحل، وقد بدأت تلوح في الأفق بوادر إيجابية بشأنه، هو استيعاب أوروبا لحجم مسؤولياتها".
وفي سؤال عن جاهزية حكومة "العمال" في بريطانيا لرفع الموازنة العسكرية، يقول: "هم لا يميلون إلى هذا الخيار، وموقفهم مفهوم. غير أن تطورات الأحداث تدفعهم حثيثا نحو واقع لا مفر منه. وأنا لا أقول ذلك باستخفاف".
ويختتم تصريحاته محذرا: "نحن نواجه خطر وجود نظام سلطوي على حدودنا، متسلح بشعور الانتصار وتحركه نوازع الانتقام. مواجهة هذا التحدي ممكنة، ولكن بشرط أن ندرك خطورة الموقف ونتعامل معه بجدية تامة".

*توم واتلينغ: كاتب في صحيفة "الإندبندنت" يركز في مقالاته على الشؤون السياسية والدولية، مع اهتمام خاص بتطورات الحرب في أوكرانيا. يقدم تحليلات معمقة للأحداث الجيوسياسية الراهنة في أوروبا، مع تركيز على تأثيرها على الساحة الدولية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق