عمان- أصدر الفنان الأردني نبيل صوالحة كتابه الجديد "حياة خارج العلبة"، الذي يوثق مسيرته الفنية الممتدة لعقود، مقدما للقارئ سردا عميقا لتجربته في المسرح والحياة.اضافة اعلان
يروي الكتاب، الصادر عن الأهلية للنشر والتوزيع، والذي تم توقيعه أمس في فندق الريجنسي، محطات بارزة في مشواره، بدءا من انطلاقته في المسرح الإذاعي خلال دراسته في المملكة المتحدة، وعودته إلى الأردن العام 1962، وصولا إلى تأسيسه فرقة المسرح السياسي التي عرفت بأعمالها الجريئة والناقدة لقضايا المجتمع العربي بأسلوب ساخر.
من خلال صفحات "حياة خارج العلبة"، يكشف صوالحة عن التحديات التي واجهها، والمهن المختلفة التي خاضها، والتي لم تقتصر على التمثيل، بل شملت مجالات مثل إدارة صالون تجميل عمل فيه ككوافير لمدة 12 عاما، إلى جانب تجاربه في الإنتاج الثقافي والإعلامي. يعكس الكتاب رؤية صوالحة النقدية والفنية، ويقدّم توثيقا لتاريخ المسرح السياسي في الأردن والعالم العربي، ما يجعله مرجعا مهما لمحبي المسرح والفن الساخر.
يوثق الكتاب، الذي صدر عن الأهلية للنشر والتوزيع، المسيرة المهنية الغنية لصوالحة، بدءا من بداياته في المسرح الإذاعي خلال دراسته في المملكة المتحدة، مرورا بعودته إلى الأردن عام 1962، وانضمامه إلى فرقة المسرح الوطني الأردني، وصولا إلى تأسيسه فرقة المسرح السياسي في السبعينيات، والتي قدمت أعمالا نقدية جريئة تناولت قضايا المجتمع العربي بأسلوب فكاهي لاذع.
ويستعرض صوالحة وهو على عتبة 83 عاما في مذكراته التحديات التي واجهها والمهن المختلفة التي خاضها، حيث لم يقتصر عطاؤه على التمثيل فقط، بل خاض تجارب متعددة، مثل إدارته لصالون تجميل عمل فيه كوافيرا لمدة 12 عاما، إلى جانب عمله في الإنتاج الثقافي والإعلامي.
كما يكشف الكتاب عن كواليس المسرح والتلفزيون في الأردن والمنطقة، مسلطا الضوء على التحولات الفنية والسياسية التي عايشها خلال مسيرته.
توثيق التجربة والمسيرة الفنية
في كتابة، ذكر صوالحة أن الوقت قد حان لتوثيق تجربته بنفسه، نظرا لوجود الكثير من المعلومات التي قد تضيع بعد وفاته. كما لاحظ أن المسرح الأردني لم يُكتب عنه بشكل دقيق، مما دفعه إلى تسليط الضوء على تاريخه، خاصة وأنه كان أحد مؤسسي أول فرقة مسرحية في الأردن. الكتاب يعكس رؤيته حول أهمية التوثيق الصحيح للمسيرة الفنية والمسرح الأردني.
ولم يكن المسرح وحده محور اهتمام صوالحة، فقد كان له دور بارز في تأسيس مركز هيا الثقافي، حيث عمل على خلق بيئة محفزة للإبداع عند الأطفال. رغم مواجهة بعض التحديات في إنشاء مكتبات للأطفال بسبب الصورة النمطية التي تحصر الطفل في التحصيل الأكاديمي فقط، إلا أن مشاريعه لاقت إقبالا واسعا. في كتابه، يخصص جزءا مهما لتقديم نصائح في تربية الطفل ضمن بيئة تفاعلية تحفّزه على الإبداع.
ويؤكد صوالحة في مذكراته على قيمة المغامرة وعدم الخوف من خوض تجارب جديدة، مثل تسلق قمة إيفرست، السفر إلى الهند لدراسة اليوغا، أو تغيير مهنته ومتابعة الدراسة في عمر متأخر. كان يسعى من خلال هذه المغامرات إلى تشجيع الشباب على كسر الأنماط الاجتماعية دون الإخلال بالقيم الأخلاقية، مع التأكيد على أهمية التجربة والاكتشاف كجزء أساسي من بناء الشخصية.
واستغرقت كتابة مذكرات صوالحة عامين، حيث بدأ بست صفحات فقط قبل أن يدخل في رحلة عميقة من التذكر والمراجعة. اعتمد في كتابته على المزاج، ولم يكن يواظب على الكتابة يوميا، بل كان يكتب عندما يشعر بالحاجة لذلك. لجأ إلى العزلة في العقبة ليتمكن من الكتابة واسترجاع تفاصيل الأحداث والذكريات المهمة.
التنشئة الحرة وأثرها على شخصيته
تأثر صوالحة بشكل كبير بنشأته في بيئة منفتحة، حيث كانت والدته امرأة عاملة تدير مشغلها، مما منحه وإخوته حرية كبيرة دون قيود أبوية صارمة. نشأ في أجواء عائلية ودية في مادبا، محاطا بأعمامه الأربعة، مما أثر على شخصيته وساهم في تطوير نظرته للحياة. يعبر عن حزنه على أطفال اليوم الذين ينشأون في بيئات محدودة داخل الشقق، بعيدا عن المساحات الواسعة التي أتاحت له حرية الاكتشاف والتجربة.
ويرى صوالحة أن التعليم في الأردن قائم على التلقين أكثر من تنمية الفكر النقدي، مما يحدّ من الإبداع. كما أنه يؤمن بأن المرأة يجب أن تحصل على حقوقها دون قيود مجتمعية، إلا أن العادات والتقاليد ما تزال تضع حواجز أمامها. يشير أيضا إلى تجربته الشخصية في تربية أطفاله، حيث استفاد من أساليب تربوية حديثة أكثر انفتاحا، انعكست في رؤيته لإدارة مركز هيا الثقافي.
التجارب الحياتية وتأثيرها على شخصياته المسرحية
أثرت مغامرات وتجارب صوالحة الحياتية على شخصياته المسرحية، حيث انعكس حبه للمغامرة والتحدي في الأدوار التي قدمها. من بين أصعب الشخصيات التي لعبها كانت شخصية "الكحتوت"، بينما يرى أن "صدقي بيك" هو الأقرب إلى شخصيته الحقيقية.
كما تأثر أيضا بمحمد شكوكو، الذي كان ناقدا اجتماعيًا ذكيًا، واستلهم منه روح النقد في أعماله المسرحية. وكان صوالحة أحد مؤسسي المسرح السياسي في الأردن، ونجح مع الفنان الراحل هشام يانس في تقديم أعمال ساخرة لامست قضايا المجتمع بجرأة، مستفيدين من الفترة التي سمحت بتخفيف الرقابة على المسرح. يؤكد أن المسرح السياسي كان له دور كبير في نقل هموم الناس، لكنه في السنوات الأخيرة لم يعد بنفس الزخم بسبب القيود المتزايدة.
وكانت علاقة صوالحة بهشام يانس مهنية ناجحة، حيث قدما معا العديد من المسرحيات والأعمال التلفزيونية. ومع مرور الوقت، بدأ الإرهاق ينعكس على أعمالهما، مما دفعهما إلى التوقف.
ويقدر صوالحة تجربة هشام يانس وتأثيره على المسرح الأردني، ويرى أن العمل مع فريق كبير يحتاج إلى طاقة وجهد مضاعفين، وهو ما دفعه لاحقًا للانتقال إلى عروض الـ "ستاند أب كوميدي"، التي وجدها أكثر مرونة وسهولة. وبعد تجربة المسرح السياسي، وجد صوالحة في عروض "ستاند أب كوميدي" منصة جديدة للتعبير عن أفكاره بأسلوب ساخر ومباشر. يرى أن هذا النوع من العروض أصبح أكثر انتشارا في العالم العربي، رغم القيود المفروضة على المحتوى، لكنه يشير إلى أن مستوى الجرأة التي امتلكها المسرح السياسي في السابق لم يعد ممكنًا اليوم.
رحلاته ومغامراته في تسلق إيفرست وتعلم اليوغا
كان صوالحة دائم البحث عن تجارب جديدة، مما دفعه إلى المشاركة في رحلة تسلق قمة إيفرست، والتي كانت مغامرة مليئة بالتحديات. كما ذهب إلى الهند لدراسة اليوغا، حيث استلهم فكرة الضحك كوسيلة علاجية، مستندا إلى الحديث النبوي "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وهو ما دفعه إلى تقديم محاضرات حول تأثير الابتسام في الحياة اليومية.
رؤيته لجيل اليوم ومستقبل الشباب
يرى صوالحة أن لكل جيل ميزاته وتحدياته الخاصة، فبينما يتمتع الجيل الحالي بإمكانيات كبيرة بفضل التكنولوجيا، إلا أنه يفتقد إلى بعض القيم التي كانت سائدة في جيله. يؤمن بأن الشباب اليوم لديهم فرص عظيمة للتغيير، لكنه يشير إلى أن عدم معايشتهم للظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها جيله يجعلهم ينظرون للأمور بطريقة مختلفة.
يختصر عنوان الكتاب فلسفة حياة نبيل صوالحة، حيث لم يكن يومًا من محبي التقيد بالأطر التقليدية، بل كان دائم البحث عن تجارب جديدة وخوض مغامرات غير متوقعة. عنوان "حياة خارج العلبة" يعكس هذه الروح الحرة التي ميزت مسيرته، وهو ما أراد أن يوصله للقراء من خلال مذكراته.
استطاع برؤيته الفريدة وأسلوبه الساخر أن يكون جزءا من ذاكرة المشاهد العربي، مقدما أعمالا تتجاوز حدود الترفيه لتكون مرآة للواقع، ورسالة نقدية تهدف إلى إحداث التغيير. "حياة خارج العلبة" ليس مجرد كتاب عن تجربة فنية، بل هو شهادة حية على رحلة إنسانية غنية، تمثل مزيجا من الشغف، المثابرة، والإبداع المستمر لفنان أردني قدير.
0 تعليق