حنان الخلفان
الأم ليست مجرد كلمة عابرة ننطقها كل يوم، وليست شخصاً يمر في حياتنا، ثم نكبر ونستقل عنه، بل هي الأصل الذي ننتمي إليه، والظل الذي لا يزول، والروح التي تسكن تفاصيل أيامنا حتى، دون أن نشعر. كل واحدٍ منا يحمل جزءاً منها في صوته، في ملامحه، في طريقة حديثه وتصرفاته، حتى تلك العادات الصغيرة التي نعتقد أنها خاصة بنا، قد نجدها انعكاساً لما كانت تفعله أمهاتنا يوماً ما. كم مرة جلست مع نفسك، فتذكرت موقفاً حدث في طفولتك، كلمةً قالتها أمك، نصيحة ألقتها إليك سريعاً، وظننتها حينها مجرد كلام عابر؟ ثم تمرّ السنوات، وتجد نفسك تعود إليها، تدرك أنها كانت على حق، وأنك لم تفهم ذلك إلا متأخراً.
الأم هي ذلك الصوت الذي يرافقك حتى وأنت بعيد، حتى حين تظن أنك أصبحت مستقلاً وقادراً على مواجهة الحياة بمفردك، تكتشف أنك لا تزال تحتاج إلى دفء يديها، إلى صوتها الذي يطمئنك، وإلى ذلك الدعاء الذي تهمس به حين تعتقد أنك لا تسمعها.
كبرنا، وتغير كل شيء حولنا، إلا قلبها.. ما زالت ترانا أطفالها الصغار، حتى حين صرنا نحمل مسؤولياتنا بأنفسنا. تفرح بنا أكثر مما نفرح لأنفسنا، تحزن علينا دون أن نشعر، تدعو لنا قبل أن تفكر في نفسها. كيف يمكن لحبٍ كهذا أن يُختصر في يوم واحد بالسنة؟ كيف يمكن لكلمات بسيطة أو هدية مغلفة أن تفي بكل ما قدمته لنا؟
في حياتنا، هناك أمهات أخريات.. خالات وعمات، كنّ لنا سنداً في بعض الأيام، أمهات بنكهة مختلفة، لا يحملن اللقب نفسه، لكنهن يقدمن الحب ذاته.
كم خالة كانت أقرب من صديقة؟ كم عمة كانت بمثابة حضن ثانٍ نلجأ إليه حين نبحث عن دفء العائلة؟ هنّ أمهات بروح أخرى، بطريقتهم الخاصة التي تجعل للحب نكهة إضافية، فكيف لهنّ ألا يكنّ جزءاً من هذا اليوم؟
لكن الحياة لا تبقى على حالها، فبعض الأمهات يغادرن قبل أن نقول لهن كل ما في قلوبنا، قبل أن نمنحهن ما يكفي من وقتٍ واهتمام، قبل أن نخبرهن كم نحن ممتنون؛ لأنهن كنّ في حياتنا. غادرن، لكنهن لم يرحلن من قلوبنا، لا تزال أصواتهن تسكن ذاكرتنا، ونصائحهن تتردد في أذهاننا. كم مرة وجدنا أنفسنا نكرر نفس الكلمات التي قلنها لنا يوماً، بنفس النبرة، بنفس الطريقة؟ وكأنهن لا يزلن معنا، وكأن الحب الذي زرعنه لم يمت، بل نما في داخلنا ليبقى ما حيينا. رحم الله من رحل، وجعل الجنة مثواهن، وحفظ من بقيت ليكون وجودها نعمةً لا تعوض.
عيد الأم ليس مجرد مناسبة نحتفل بها وننتهي، بل هو تذكير لنا بأن نعود إلى أصلنا، أن نضع أمهاتنا في أول قائمة الاهتمام، أن نمنحهن ما يستحققن من الحب قبل أن نفقد الفرصة. فليكن هذا اليوم بدايةً لأن نكون أقرب، لأن نخصص لهن لحظات صادقة، لأن نسمع صوتهن أكثر، ونشاركهن تفاصيلنا كما كنّ يفعلن معنا ونحن صغار. ولنتذكر دائماً، أن الأم ليست يوماً في السنة، بل هي العمر كله، هي العيد الذي لا ينتهي، والحب الذي لا يفنى.
وأنتِ يا ماما ليلى، يا أقرب اسمٍ للقلب، يا أجمل حكايةٍ في العمر.. لا تكفيكِ الكلمات، ولا الأيام، ولا كل الهدايا التي تُهدى في هذا اليوم. أنتِ العيد الذي لا يغيب، والحب الذي لا يشبهه حب، وأمانٌ يشبه الدعاء المستجاب. حفظكِ الله، وأدامكِ نوراً في حياتي، وكل عام وأنتِ أمي.. دائماً وأبداً.
0 تعليق