القيمةُ المُضافةُ في جودةِ التعليمِ

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
أ. رابعة محمد

كثيراً ما يربو إلى مسامعِنا، كتربويينَ، مصطلحُ "القيمةُ المُضافةُ"، فما المقصودُ به؟ وما هي طرائقُ وأساليبُ قياسِ القيمةِ المُضافةِ؟ وكيف يمكنُ متابعةُ جودةِ تحقيقِها؟

هناك مقاربةٌ تربويةٌ ودراساتٌ عديدةٌ تناولتْ مفهومَ "القيمةِ المُضافةِ" في جودةِ التعليمِ، والذي يُعرَّفُ عادةً بأنَّه الفرقُ بينَ النتائجِ التعليميةِ الفعليةِ والنتائجِ المتوقعةِ بعدَ الأخذِ بعينِ الاعتبارِ المواردَ والجهودَ المبذولةَ خلالَ العمليةِ التعليميةِ. هذا المفهومُ يُعدُّ مؤشراً مهماً لفهمِ مدى تأثيرِ التدخلاتِ التعليميةِ، مثل: استراتيجياتِ التعليمِ والتعلُّمِ، وبرامجِ التطويرِ المهنيِّ للعاملينَ بالمؤسسات التعليمية، وبيئةِ المؤسسة التعليمية - بأكملِها- في تحسينِ أداءِ المتعلمينَ. ويُستخدمُ قياسُ القيمةِ المُضافةِ كأداةٍ تحليليةٍ تُساعدُ صانعيَ القرارِ في القطاعِ التعليميِّ على تحديدِ نقاطِ القوةِ وتلكَ التي تحتاجُ إلى تطويرٍ وتحسينٍ، وبالتالي يُمكنُهم تعزيزُ الجهودِ لتطويرِ السياساتِ التعليميةِ بما يتناسبُ معَ احتياجاتِ المتعلمينَ والمعلمينَ.

هناك العديدُ من الأمثلةِ العمليةِ التي توضحُ كيفَ يمكنُ تحقيقُ القيمةِ المُضافةِ في مجالِ التعليمِ:

أولاً: القيمةُ المُضافةُ خلالَ فترةٍ دراسيةٍ معيّنةٍ:

تُستخدمُ نماذجُ القيمةِ المُضافةِ (Value-Added Models) في نُظُمٍ تعليميةٍ عديدةٍ لتقييمِ التحسُّنِ الفعليِّ لمستوى تحصيلِ المتعلمينَ مقارنةً بالتحسُّنِ المتوقعِ بناءً على بياناتِ الأداءِ التاريخيِّ لهم. على سبيلِ المثالِ، إذا كانَ معلمٌ يبدأُ العامَ الدراسيَّ بمجموعةٍ منَ المتعلمينَ الذينَ يمتلكونَ نقاطاً أوليةً منخفضةً، ولكنهُ خلالَ العامِ يُحدثُ تغييراً إيجابياً يؤدي إلى تحسينٍ في درجاتِ المتعلمينَ -بما يعكسُ المستوياتَ الحقيقيةَ لهم- بشكلٍ يفوقُ المتوسطَ المحليَّ أو الإقليميَّ، فإنَّ هذا الفرقَ يُعتبرُ قيمةً مُضافةً يُقدمها المعلمُ للمتلعمين.

ثانياً: القيمةُ المُضافةُ في سياقِ الملاحظةِ الصفيةِ لحصةٍ دراسية:

في سياقِ الملاحظةِ الصفيةِ، تُشيرُ "القيمةُ المُضافةُ" إلى الإضافةِ النوعيةِ التي يُحدثها المعلمُ خلالَ عمليةِ التدريسِ، بحيثُ تتجاوزُ النتائجُ التعليميةُ ما كانَ متوقعاً أو معتاداً بالنسبةِ للمتعلمينَ. أي أنَّها ليستْ مجردَ تقييمٍ للأداءِ المستقرِّ، بل قياسٌ للتأثيرِ المميزِ الذي يتركُه المعلمُ في البيئةِ الصفيةِ، ليسَ من خلالِ تحسينِ مستوى التحصيلِ الأكاديميِّ للمتعلمينَ فقط، بل يشملُ أيضاً تعزيزَ الجانبِ الشخصيِّ والمهاراتِ الاجتماعيةِ والتفكيريةِ لديهم، بشرطِ ألا يطغى الاهتمامُ بالقيمةِ المُضافةِ في الجانبِ الشخصيِّ على القيمةِ المُضافةِ في تقدمهم المعرفيِّ والمهاريِّ والوجدانيِّ.

على سبيلِ المثالِ: أثناءَ الملاحظةِ الصفيةِ يقومُ المُراقبُ بتقييمِ عدّةِ جوانبَ، مثل:

*تنظيمُ الدرسِ: كيفَ يُهيّئُ المعلمُ البيئةَ الصفيةَ لاستقبالِ المتعلمينَ للمعرفةِ، وأيضاً استخدامُه لأساليبَ ووسائلَ تعليميةٍ متنوّعةٍ ومُحفّزةٍ.

*التفاعلُ والحوارُ: مدى قدرةِ المعلمِ على إشراكِ المتعلمينَ في النقاشاتِ، وتحفيزِهم على المبادرةِ بطرحِ الأسئلةِ والتفكيرِ الناقدِ والتحليليِّ من خلالِ توظيفِه استراتيجياتٍ يكونُ الطالبُ فيها محورًا للتعلُّمِ.

*قياسُ تحسّنِ الأداءِ: بمقارنةِ الفرقِ بينَ المستوى التعليميِّ المتوقعِ ومستوى الأداءِ الذي يتحقّقُ بفضلِ استراتيجياتِ التدريسِ المبتكرةِ لدى المعلمِ. ويتمُّ ذلكَ من خلالِ تطبيقِ تقويماتٍ مستمرةٍ ومتنوّعةٍ تُنمي مهاراتِ التفكيرِ العُليا لدى المتعلمينَ، والاستفادةِ منها في اتخاذِ القرارِ الصحيحِ لمصلحةِ المتعلمينَ ودعمِهم؛ هل الانتقالُ للخطوةِ التاليةِ أم إعادةُ شرحٍ وتوضيحِ الهدفِ بطرائقَ أخرى.

بعبارةٍ أخرى، إذا أظهرَ المتعلمونَ تحسّناً ملحوظاً في مستوياتِ الفهمِ أو المشاركةِ أو حتى الأداءِ العامِّ بعدَ تطبيقِ أسلوبٍ معيّنٍ من قِبلِ المعلمِ، فإنَّ هذا التحسُّنَ يُعدُّ قيمةً مُضافةً ناتجةً عن هذا التدخلِ التربويِّ. فهذا التقييمُ يُساعدُ على إبرازِ الاستراتيجياتِ الناجحةِ التي يُمكنُ تعميمُها داخلَ المؤسسةِ التعليميةِ لتحسينِ جودةِ التعليمِ بشكلٍ عامٍّ.

وبهذهِ الطريقةِ، تُصبحُ الملاحظةُ الصفيةُ لا تقتصرُ على تسجيلِ ما يحدثُ داخلَ الفصلِ فحسب، بل تُعدُّ أداةً تحليليةً تُمكنُ صانعيَ القرارِ وقادةَ المدارسِ من تحديدِ الممارساتِ التعليميةِ التي تُثري تجربةَ التعلُّمِ وتدفعُ بعمليةِ التطويرِ المستمرِّ داخلَ العمليةِ التربويةِ.

ثالثاً: القيمةُ المُضافةُ في برامجِ الدعمِ الأكاديميّ:

تقومُ المؤسسات التعليمية بتنفيذِ برامجَ دعمٍ إضافيٍّ، كدروس التقويةِ أو برامجِ التعزيز للموادِّ الدراسيةِ التي يُواجهُ فيها المتعلمونَ صعوباتٍ، وتُجري تقييماتٍ بناءً على كفاياتٍ تعليميةٍ محددةٍ قبلَ وبعدَ انتهاءِ البرنامجِ. فإذا لوحظَ أنَّ النتائجَ اللاحقةَ للتقييمِ تتجاوزُ التوقعاتِ المستندةَ إلى الأداءِ السابقِ، فإنَّ الزيادةَ التي تحققتْ تُعتبرُ قيمةً مُضافةً ناتجةً عن هذا التدخلِ. بشرطِ أنْ يُراقَبَ التحسُّنُ من خلالِ تتبعِ التقدمِ بالكفاياتِ المستهدفة لكل متعلم حسب احتياجاته التعليمية، وألا يعتمدَ فقط على مقارنةِ الدرجاتِ.

رابعا: القيمةُ المُضافةُ في استخدامِ التكنولوجيا في التعليم:

إن إدراجُ التقنياتِ الرقميةِ في العمليةِ التعليميةِ يمكنُ أن يُحدثَ فرقاً كبيراً في مستوى تفاعلِ المتعلمين وأدائِهم، ففي أي فصلٍ دراسيٍّ يتمُّ فيه تطبيقُ نموذجِ التعليمِ المدمجِ (Blended Learning) أو الفصلِ المقلوبِ (Flipped Classroom)، حيثُ يتمُّ استخدامُ المواردِ الرقميةِ لتقديمِ المحتوى التعليميِّ وتحفيزِ النقاشِ والنشاطِ العمليِّ. إذا أظهرتِ الاختباراتُ اللاحقةُ تحسُّناً ملحوظاً في مستوياتِ التحصيلِ الطلابيِّ مقارنةً بالأساليبِ التقليديةِ، فإنَّ هذه الزيادةَ في الأداءِ تُعدُّ قيمةً مُضافةً تستندُ إلى تبنِّي أساليبٍ حديثةٍ ومبتكرةٍ.

ختاماً، هذهِ التطبيقاتُ العمليةُ تُظهرُ كيفَ يُمكنُ استخدامُ مفهومِ القيمةِ المُضافةِ لتحليلِ وتحسينِ العمليةِ التعليميةِ بطرقٍ موضوعيةٍ مدعومةٍ بالبياناتِ لا تقتصرُ فقط على قياسِ الأداءِ، بل تُساعدُ أيضاً في توجيهِ صُنّاعِ السياساتِ التعليميةِ لتحديدِ الممارساتِ الناجحةِ التي يجبُ تكرارُها أو تعميمُها، كما وتوجه قادة المؤسسات التعليمية إلى ضرورة متابعة وضمان جودة القيمة المضافة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق