خلق الله البشر على أشكال مختلفة وقدرات متنوعة وميول متفاوتة، فمنهم من هو لامع في الموسيقى، ومنهم من هو بارع في الرياضيات، ومنهم من هو موهوب في الفنون التشكيلية أو الرياضة أو العلوم أو الآداب، أو حتى فن القيادة.
كل منا متفوق في شيء ما في الحياة، لا يمكن للإنسان أن ينجح أو يتفوق في جميع الأمور.
ومن المؤسف حقاً أن يجهل بعض الناس هذه الحقيقة فلا يدركون أن نجاحك لا يعني فشلهم، وفوزك لا يعني خسارتهم، لأن الكل يمكن أن يكون رابحاً؛ فهم يفكرون بعقلية الندرة وليس بعقلية الوفرة، كما حدثنا ستيفن كوفي في كتابه «العادات السبع للناس الأكثر فعالية»، حيث عرّف «عقلية الندرة» هي تلك العقلية التي تؤمن أن الخير والفرص محدودان، بمعنى أن اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي أحد غيرك كي يأكلها، ولابد أن يكون هناك واحد خاسر والآخر رابح، فالنظرة إلى الحياة هي مسألة صراع وتنافس، وليست مشاركة وتعاوناً مما يجعلنا نقع في براثن الضغوط النفسية والأمراض الصحية.
وعلى النقيض من ذلك هناك عقلية الوفرة التي تؤمن بأن الحياة مليئة بالفرص التي يمكن للجميع الاستفادة منها. في هذا الإطار، لا يُنظر إلى النجاح على أنه لعبة إما «أنا» أو «أنت»، بل لا يتحقق إلا عن طريق «نحن» أي من العمل المشترك الذي يعود بالنفع على الجميع، مما يؤدي إلى تعزيز الشعور بالأمان والثقة بين الأفراد في بيئة يمكن فيها للجميع أن يزدهروا.
ومن الأمثلة الواقعية التي نراها في الحياة اليومية هي الفرق الرياضية الناجحة التي تعمل بتناغم وتكامل بين أعضائها، حيث يستفيد كل لاعب من مهارات الآخرين لصالح الفريق ككل، وكذلك الشركات الناجحة التي تعتمد على العمل الجماعي، وأيضاً في التعلّم التعاوني في المدرسة عندما يحقّق الطلبة النجاح بالوصول إلى هدف مشترك.
لذا، حبّذا لو نتبنّى عقلية الوفرة في حياتنا الشخصية والمهنية، حيث نؤمن بأن الفرص متاحة للجميع، وأن نجاحنا لا يعني بالضرورة فشل الآخرين.حتى تصبح الحياة أكثر إشراقاً وإثماراً كلوحة فسيفساء جميلة لا تكتمل إلا بتناغم أجزائها أي بتضافر جهودنا معاً، حينئذ يكون الكل رابحاً.
* أستاذة في علم النفس التربوي
0 تعليق