اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. سامح بدوي

الاضطرابات النفسية في مرحلة الطفولة متعدّدة، والآثار المترتبة عليها مؤلمة. فهم يعانون أحياناً من مشكلات نفسية حادة تعصف بهم في مختلف الأوقات، مما يحرمهم من التمتع بطفولتهم. وأحياناً لا يمكنهم التعبير عن معاناتهم أو نقلها للغير، فهم مضطربون في صمت مطلق. والمؤسف أن الأُسر تلحظ تلك المعاناة في شكل سلوكيات شاذة عن الشخصية الحقيقية للطفل، ولا تقدّم الدعم لأطفالها، وتفسّر تلك التغيّرات بصورة خاطئة تزيد من أثر المشكلة وتؤثر على نفسية الطفل.

ولعل من أخطر تلك الاضطرابات «اضطراب ما بعد الصدمة» «اضطراب الكرب التالي للصدمة، Post-Traumatic Stress Disorder - PTSD»، وهو تدهور نفسي حاد يصيب الطفل أو الطفلة، ويشكّل في أحيان كثيرة خطراً على حياته. ويكون هذا الاضطراب نتاج صدمة عنيفة تعرض لها الطفل ولم يستوعبها في بنائه العقلي، كحادث خارج نطاق التجارب البشرية الروتينية، أو تجربة لا يقبلها الفرد من الوهلة الأولى، مثل فقد أحد الوالدين، أو التعرّض لإيذاء جسدي، أو اعتداء جنسي، أو التحرش، أو الاغتصاب، أو حادث مروري، أو غيرها من الكوارث البشرية أو الطبيعية.

ويظهر هذا الاضطراب كرد فعل متأخر بعد الصدمة بأيام أو حتى سنوات، خاصة أنه يستقر في الذاكرة بعيدة الأمد في بعض الأحيان. وتكون الأعراض في شكل استثارة زائدة، ومعاودة خبرات الحادث بصورة ملحة وضاغطة على الجهاز العصبي. تختلف أعراضها وفق المرحلة العمرية للطفل، ولعل أبرز أعراضها: التبول اللاإرادي، واختلاط الأعراض العضوية كالصداع والغثيان، بالإضافة إلى العديد من الأعراض النفسية، وأهمها: حالة من اللامبالاة وعدم الاحترام للغير، ونوبات من الغضب والتمرد، والكوابيس وقلة النوم، واختلاط الأفكار وصعوبة التركيز أو اتخاذ القرار، وردود فعل مبالغ فيها تجاه مختلف المواقف. فنحن أمام اختلاف كلي أو جزئي في التركيبة الشخصية للطفل، قد تصل في النهاية إلى حالة من الاكتئاب يصعب السيطرة عليها.

في الوقت الذي تركد أسرته وراءه بالنقد الدائم والتهجم على تصرفاته، غافلةً أنها أمام كارثة تهدّد سلامة الطفل والأسرة. فنحن على موعد مع طفل يعاني من العديد من الأمراض النفسية والعصبية في أقرب وقت. لهذا يجب على الآباء والأمهات ملاحظة تلك التغيرات على الأبناء، وإشباع الطفل بحالة من الحب والود، ومواجهة تلك المشكلة وعدم إنكارها، والتوجه بالطفل إلى مراكز نفسية متخصّصة، والتي قد تشخص المشكلة وتبدأ في العلاجات المختلفة.

ومن أهم تلك العلاجات:

العلاج الاجتماعي: وذلك بدمج الطفل في وسط اجتماعي يتقبله، وسط يقدّم الدعم الكافي له لمحو تلك التجارب السيئة، وهذه تشكّل الخطوة الأولى للعلاج. في حالة عدم كفاية العلاج الاجتماعي يبدأ العلاج النفسي: حيث تبدأ الأسرة في تقديم العلاج النفسي ومنه: 1) العلاج السلوكي المعرفي (CBT): والذي يبحث في تأثير الأفكار والمخاوف على سلوكيات الطفل. 2) العلاج بتقنية التعرض (Exposure therapy): حيث يتمّ تعريض الطفل للخبرة السيئة وفق آليات السيطرة عليها وضبطها. 3) العلاج بالحركات الإيقاعية للعين (EMDR): وهو نمط علاجي يمكن العقل من فهم المواقف والذكريات المؤلمة والعمل على تلافي آثارها بالاسترخاء، وفيها يتعلم الطفل أساليب للتهدئة والعلاج، في حالة عدم جدوى تلك الأساليب، يجب على الأسرة البدء في مرحلة العلاج الدوائي بالرغم من قسوتها إلا أنها فرصة أخيرة يمكنها أن تقدّم حلاً جذريًا لتلك المشكلة.

في الختام، أطفالنا أمانات وهبات منحها الله لنا، وجب علينا المحافظة عليها ورعايتها ومراقبة تصرفاتها ودعمها، حتى يكون لدينا أشخاص أسوياء يتوافقون مع أنفسهم أولاً، ثم مع المجتمع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق