في لحظات معينة من حياتنا، نشعر وكأننا محبوسون داخل ذكرى مؤلمة، كأن الزمن توقف عند تلك اللحظة، وكلما حاولنا أن نحكي عنها، لا نجد أنفسنا نتحدث عن شيء مضى، بل نعيش الحدث مجدداً بكل تفاصيله، بانفعالاته، ورائحته، وصوته. لا نشاهده من الخارج، بل نغوص فيه مرة أخرى كأننا لم نخرج منه قط.
هي التروما، أو الصدمة النفسية، هي استجابة داخلية لحدث مرعب أو مؤلم يتعرّض له الإنسان، ويشعر خلاله بالخطر الشديد أو بالعجز التام. هذه الأحداث قد تكون فقدان شخص عزيز، أو التعرّض لحادث مروع، أو تكون اعتداء جسدياً؛ قد يبدو الحدث كأنه انتهى، لكنه يترك جرحاً غائراً في النفس، لا يُرى بالعين المجردة، لكنه حاضر في شكل قلق، وخوف، ونوبات هلع، أو حتى فقدان الإحساس بالواقع.
ولكي نعرف كيف نتعامل مع التروما عند التعرض لصدمة، يحاول العقل أن يعالج الذكرى المؤلمة، لكنه أحياناً يفشل في إغلاق هذا الملف الداخلي. تبقى الذكرى نشطة، تتحرك بسهولة مع أي محفز مشابه. وعندما نتحدث عنها، نشعر أننا نُعيد الحدث ونعيشه من جديد، كأن الجرح انفتح ولم يلتئم.
وعلينا أن نواجه التروما حيث إنها لا تُشفى بالصمت، ولا تُمحى بالإنكار. الاعتراف بها هو أول خطوة في طريق التعافي. العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، يساعد على فهم جذور الصدمة وتطوير مهارات للتعامل معها، بدلاً من تركها تتحكم في حياتنا. كذلك، وجود شبكة دعم من العائلة والأصدقاء يُحدث فارقاً كبيراً في هذه الرحلة.
ولكن هل يمكن أن نشفي من التروما جرحاً لا تراه العيون، لكنه ينهش الروح بصمت. ومع ذلك، ليس من الضروري أن نظل أسرى له. بالوعي، بالحديث، وبطلب الدعم المناسب، يمكننا أن نبدأ رحلة التعافي. التروما قد تكون جزءاً من قصتنا، لكنها لا يجب أن تُحدد نهايتها.
0 تعليق