وداعاً عبسي

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نحن جيل تربّى على منتجات «مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك»، وغيرها من المنتجات المشابهة، فجمعتنا علاقة وجدانية بعدنان ولينا، وبشار «النحلة» وسنان وباباي وفلونة وساسوكي وساندي بيل، وغيرهم من الأصدقاء التاريخيين الذي وجدوا ليساهموا في تربية جيل كامل، بل الأحرى جيلين (X) الذين ولدوا بين الأعوام 1965-1980 و(Y) الذين ولدوا بين 1981-1996، شخصيات كرتونية في مسلسلات ضخت للأطفال مجموعة من القيم وزرعتها فيهم.تعلمنا الصبر، فكنا نقف في طوابير لأغراض مختلفة منها ما يتعلق بالمعاملات في الوزارات الحكومية، والمواصلات والتعليم وغيرها دون أن نتذمر، صبرنا على معاناة الدراسة وغيرها من مسائل الحياة، وكان الأمر طبيعياً بالنسبة لنا، كيف لا ونحن الذين انتظرنا بشار 90 حلقة ليجد أمه في الحلقة الأخيرة، وكان لقاءً مأساوياً فقد وجدها وهي في مرض الموت، نحن الذين شاهدوا كابتن ماجد وهو ينطلق بسرعة الصوت نحو الكرة وعندما يركلها تبقى في حالة الدوران لتدخل الهدف بعد حلقتين، بل صبرنا عليه أربعة أجزاء ليشترك في كأس العالم، تعلمنا الشجاعة ونحن نراقب ساسوكي وهو يتدرب ليحارب الأشرار، وشاهدنا عدنان وهو يقاوم الاستبداد وقد تكالب عليه الأعداء، ألسنا من شاهد باباي ذلك البحار الذي قضى حلقات المسلسل وعينه على زيتونة فينتفض ويتصارع مع بلوتو الشرير عندما يتحرش بها، فتعلمنا بذلك الغيرة، بل تعلمنا منه أهمية التغذية الصحية عندما كان يلجأ إلى علبة السبانخ ليأكلها فتمنحه القوة البدنية، ألم نتعلم الأمل ونحن نشاهد لينا وهي تبحث عن جدها، وتعلمنا تقبل الفشل كجزء من التعليم ونحن نشاهد غريسو ذلك التنين الصغير الذي ينفث النار وفي الوقت نفسه يحلم بأن يكون رجل إطفاء، حتى نجح في الحلقة 26، ألم نتعلم منه الاستقلالية في الرأي مع احترام الأب الذي له رأي آخر، ألم نتعلم قيم الصداقة والتعاون من سنان وأصحابه، نحن من عاش مع ساندي بيل معاناة فقد الأم وخوض رحلة النضج المهني والشخصي الشاقة، وتحقيق الذات مع المواقف النبيلة، ألم نتعرّف على أهمية الأسرة والتعاون فيما بينها من بربا الشاطر وفلونة.بعد كل ذلك نجلس اليوم لنرى أحفادنا وأبناءنا وهم يتربون على تحدي حلق جزء من منتصف الحاجب، في تيك توك، وترند أكل خروف كامل، وبدلاً من باباي الغيور، يشاهدون من يظهر مع أخته ليعرضها على الجمهور بأحط صورة طمعاً في «100 ألف لايك» وبدل علبة السبانخ يتعلمون أسرع طريقة لعمل النودلز، مع مقاطع أخرى تجعلهم يقرفون الأكل الصحي، وبدلاً من تدريبات ساسوكي ومعارك عدنان مع رجال القلعة يتعلمون آخر الرقصات، وبدلاً من محاولات إصلاح «الصايع» عبسي التي تكللت بالنجاح، وانتهت به إلى شاب محترم، يراقب الجيل الجديد انتقال محتوى فلان الفلاني وتحوله من محتوى نافع إلى هابط بنجاح فائق بعد أن تبيّن له أن المحتوى النافع لا يجلب المتابعين، وبعد أن كان جيلنا يشاهد المسلسلات المبنية على القصص العالمية، ظهر جيل يشاهد الريلز ذا الثلاثين ثانية ويعتبر الزيادة على ذلك مضيعة للوقت، لأن هناك من برمجهم على الاستهلاك اللحظي الخالي من العمق، هنا يرقد الراحلون، عبسي وصديقه عدنان وباقي الأصدقاء بسلام، وهنا يعيش جيلنا بين حسرة الماضي والاستسلام للحاضر والمستقبل.بالتأكيد لا نستطيع العودة بأولادنا إلى ذلك الزمن، لكن على أقل تقدير يمكننا تعليمهم أن قيم الشجاعة والصبر والأمل والدفاع عن الحق والتعاون والتسامح والصداقة والتكيف وغيرها مما تعلمناه، لن يأتي من «ركوب» الترند، وعدد المشاهدات لا يعني جودة المنتج، كما أن عدد المتابعين لا يعني صلاح الشخص المتابع.* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق