رأي.. رنا الصباغ تكتب: الأردن وجماعة الإخوان المسلمين.. هل المخاطرة مدروسة؟ - الأول نيوز

cnn 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذا المقال بقلم رنا الصباغ، أول رئيس تحرير لصحيفة سياسية في الشرق الأدنى، وصحفية ومحررة استقصائية حائزة على عدد من الجوائز العالمية. والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

أسدلت الحكومة الأردنية الستار على علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، بعد 8 عقود من المد والجزر، وقفت الأخيرة مع النظام الملكي في مواجهة المد الشيوعي والقومي قبل أن تنقلب إلى مصدر تأزيم داخلي في مجتمع يترنح بين خياري المقاومة أو التطبيع.

وزير الداخلية مازن الفراية أعلن، الأربعاء الماضي، مصادرة أصول الإخوان وحظر نشاطها ومنع التواصل السياسي والنقابي والإعلامي معها تحت طائلة القانون بعد اعتبارها جماعة غير مشروعة إنفاذا لقرار قضائي قطعي صادر عن أعلى محكمة في البلاد سنة 2020، اعتبرها منحلة قانونيا.

وأخيرًا، برزت الحاجة بعد الكشف في 15 أبريل/نيسان عن خلية/خلايا إرهابية مرتبطة بالإخوان اتُهمت بالسعي للقيام بعمليات لزعزعة أمن واستقرار الأردن. تبع ذلك بيانا لحركة المقاومة الاسلامية حماس، يطالب بالإفراج عن الموقوفين والاحتفاء بهم بدلا من سجنهم، ما وصفه محللون وساسة بـ"الاستفزازي".

أخذت الدولة بكافة مكوناتها الرسمية القرار الشجاع الذي رحّبت به شرائح واسعة تعارض المشروع الإخواني. واعتبره مناصرو التيار "انسجامًا خطيرًا" مع ما وصفوه بالمشروع "الصهيوني-الأمريكي"، وضربة مباشرة لأدوات المقاومة والإسناد الشعبي، تماشيا مع حملة إقليمية تهدف الى تحجيم الإسلام السياسي.

وبذلك انتهت، أقله نظريًا، العلاقات المضطربة منذ قيام الأردن بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل 1994 عارضتها القوى الاسلامية في العالم العربي.

تباعدت البوصلة السياسية للطرفين أكثر بعد بدء الحرب في غزة حيال طريقة دعم المقاومة: مدها بالسلاح، مقابل خيار التفاوض للتوصل لحل ما.

القرار سيوقف التماهي والتداخل بين تنظيم الجماعة وجبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للحركة التي حصدت أعلى الأصوات في الانتخابات الأخيرة وباتت تسيطر على ربع مقاعد البرلمان.

لكنه لن يؤدي إلى حل الجبهة، أقله للآن. ويرى البعض أن هذا العمل قد يؤثر على مصداقية النظام في إطلاق إصلاحات سياسية تدريجية مدعومة من الغرب.

الحال قد يتغير طبعًا في حال ثبت لمحكمة أمن الدولة أن ثمة علاقة بين الجبهة والخلية الإرهابية، خاصة وأن الرواية الرسمية تقول إن 3 من أعضاء الخلية أعضاء في الحزب والجماعة في آن واحد.

وعندها قد يكون حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة هو أحد الخيارات، أو وضع الأشخاص الذين فازوا على القوائم الحزبية والوطنية بعد مرشحي الإخوان مكانهم.

قرار الحظر كان متوقعًا منذ أفول نجم محور الممانعة بقيادة إيران بعد إجهاز إسرائيل على غالبية قيادات أذرعها المنغمسة في ملفات الإقليم: حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن.

تبع ذلك الإطاحة بنظام بشار الأسد الديكتاتوري، حليف إيران القوي في المنطقة، والتي قررت أخيرًا قبول دعوة أمريكا للتفاوض. وقد يبدو أنها تتخلى عن كل جماعاتها في العراق من حشديين وغيرهم وعن الحوثي لحماية مصالحها.

ما كان غير ممكن أصبح ممكنًا بعد إعلان الأردن عن ضبط خلية/خلايا إرهابية، بعضها متهم بانه كان يخطط لإنتاج طائرات بلا طيار، وتجنيد الشباب وتدريبهم في الداخل والخارج. والأهم إنتاج 300 صاروخ بمدى 3 إلى 5 كيلومترات للمرة الأولى على الأراضي الأردنية.

المحكمة ستحسم الجدل المجتمعي حول وجهة استخدام الصواريخ والمتفجرات: ضرب أهداف داخلية كما تتوقع الحكومة أو تهريبها لدعم المقاومة الفلسطينية كما يصر التيار الإسلامي ومحامي المتهمين.

وقد يكون لبعض المتهمين علاقات تنظيمية بحركة حماس، شقيقة الإخوان في الأردن، وحزب الله اللبناني، الذي رفع زعيمه السابق حسن نصرالله شعار توحيد الساحات بعد بدء الحرب على غزة من خلال استخدام أراضي الدول المحيطة لاستهداف العمق الإسرائيلي بصواريخ ومسيرات بعضها يشبه ما كان سيُبنى بالأردن.

أحد مظاهر ذلك تنامي تهريب الأسلحة والمتفجرات بعد بدء حرب غزة من الميليشيات الموالية لإيران في سوريا قبل الإطاحة بالأسد، وللمرة الأولى على ما يبدو بدء تخزين بعضها في الأراضي الأردنية لدعم الأعوان المحليين.

الدولة الأردنية توقفت عند وصف الإخوان في قرار الحظر بـ"الجماعة الإرهابية" كما حصل في مصر بعد الانقلاب العسكري والشعبي على حكم الإخوان في عام 2013.

استخدام هكذا تعبير كان سيغذي الاحتقان الشعبي بين قواعد التيار الإسلامي: شرائح واسعة تضم أردنيين بمن فيهم من أصول فلسطينية يشكلون نسبة كبيرة من عدد السكان تقف بجانب خيار قتال إسرائيل لتحرير الأراضي الفلسطينية من النهر للبحر.

وقد تهتز الجبهة الداخلية التي تحتاج إلى الحد الأدنى للتماسك لمساعدة الأردن على التعامل، بأقل الأضرار الممكنة عليها، مع حكومة يمينية في إسرائيل تريد ضم غزة والضفة. وإدارة ترامب اليمينية التي تعد صفقة لحل القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار مقابل السلام الاقتصادي والتطبيع مع باقي الدول العربية.

تصنيف الجماعة بالإرهابية ربما كان سيوفر لها حججًا لتأليب قواعدها ضد الشرعية الدينية التي يستمدها النظام الهاشمي من نسبه إلى سلالة النبي محمد وإظهاره بمن يشن حربًا على الإسلام، وتفريخ مزيد من الخلايا الإرهابية التي قد تتحول للعمل السري للثأر وضرب أهداف معادية لها داخل الأردن، أو تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى الضفة وزيادة محاولات التسلل عبر الحدود التي تنامت وتيرتها بعد بدء الحرب على غزة.

وقد تنمو خلايا متشددة مستعدة للانتقام ما قد يؤدي إلى مزيد من العمليات في الداخل ودعم المقاومة الفلسطينية، وهو ما قد يفتح بدوره شهية إسرائيل على الاستثمار في التصعيد.

الإخوان باتت حركة "مضغوطة ومأزومة" بعد خسارتها الحراك العلني ما قد يدفع بصقورها إلى إرضاء قواعدها التي تشعر بالهزيمة من خلال القيام بأعمال من شأنها خلخلة أمن الدولة، بحسب المتخصص في شؤون التيارات الإسلامية حسن أبو هنية. ذلك سيمد إسرائيل بحجة لاستثمارها ضد الأردن الذي يرفض التوطين والتهجير وأي مس بدوره في حماية المقدسات الإسلامية في القدس.

البعض يستبعد ذلك لأن الجماعة والجبهة تتمتع بـ"براغماتية". والجبهة لا تريد خسارة نفوذها وتأثيرها في البرلمان. والدولة لا تريد نقل حال الشد الدائر بينها والتيار الإسلامي في البرلمان إلى الشارع. لكن، كل شيء ممكن.

بحسبة الدولة ومكوناتها الرسمية فإن ثمن إبقاء التداخل بين الجماعة والجبهة والتحريض ضد مؤسسات الدولة، واستمرار شتم وتخوين الأمن والمخابرات في غالبية المظاهرات التي يديرها التيار الإسلامي وغسل أدمغة الشباب، بات مصدر تهديد أكبر.

يبقى أن الأردن أخذ مخاطرة مدروسة حال المغرب الذي فصل الحزب عن الإخوان عندما حاولت الأخيرة الاستقواء على الدولة. ويدرك أن لكل فعل رد فعل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق