المدن المتطورة والبيوت المبتكرة.. حلم أم واقع قادم؟

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مؤتمر الابتكار في السكن الاجتماعي.. خطوة استراتيجية لتغيير الخارطة الإسكانية أو هكذا يُراد له، إذ لا يمكن لأي متابع لمجريات مؤتمر الابتكار في السكن الاجتماعي 2025 الذي عُقد الأسبوع الماضي إلا أن يُشيد بهذا الحدث النوعي والمهم، الذي جمع تحت سقفه واحد نخبة الخبراء وصُنّاع القرار والمبتكرين في مجالات الإسكان والتخطيط العمراني. لقد شكّل المؤتمر منصة حقيقية لتبادل الخبرات واستعراض التجارب الدولية الناجحة، كما وساهم في تسليط الضوء على أبعاد جديدة لمفهوم السكن الاجتماعي المُبتكر، كاشفاً عن رؤى متقدّمة يُمكن أن تُسهم في رسم خارطة إسكانية أكثر عدلاً وإنصافاً وجودةً. ولعل من أهم أهداف المؤتمر ترسيخ فكرة أن السكن ليس مجرّد مبنى، بل بيئة حيوية متكاملة تُبنى على أساس احتياجات الناس، بما يُسهم في حفظ كرامتهم وضمان استقرارهم بما ينعكس على مستقبلهم ومستقبل أوطانهم.

ولاشك أن أحد أبرز التحديات التي ناقشها المؤتمر بعمق هي ضرورة تطوير عقلية التخطيط والتنفيذ لتكون أكثر مرونة وابتكاراً، فالسكن اليوم لا يُقاس فقط بالمتر والموقع، بل بذائقته الجمالية، وراحته النفسية، ومدى تطابقه مع أسلوب حياة السكان. لقد أصبح لزاماً علينا أن ننتقل من نماذج عمرانية تقليدية إلى مشاريع إسكانية إنسانية، مبتكرة، جاذبة، تعكس فلسفة الراحة والتكامل في الحياة اليومية. وهنا تتعاظم أهمية إشراك المجتمع نفسه في مراحل التصميم والتطوير، لضمان تلبية تطلعاته وتحقيق شعور حقيقي بالاستقرار والانتماء.

ملف السكن لم يعد شأناً محلياً أو خدمياً فقط، بل أصبح من المحاور الأساسية لأهداف التنمية المستدامة، التي تُسابق الدول حول العالم الزمن لتحقيقها عبر مشاريع نوعية، ومفاهيم إسكانية جديدة، وتصاميم تأخذ بعين الاعتبار البُعد الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. إن تحسين جودة الحياة من خلال السكن لم يعد ترفاً، بل أولوية تنموية تستوجب توجيه الموارد والاستراتيجيات نحو حلول مبتكرة تحقّق التوازن بين الكلفة والكفاءة والجاذبية.

ثمّة دراسات علمية كثيرة تؤكد على أن الاستقرار السكني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة النفسية للأفراد، وبأداء الأطفال الدراسي، وبزيادة إنتاجية الأفراد في العمل، إضافة إلى دوره في الحَدّ من معدلات الجريمة وتعزيز الروابط الاجتماعية. كما تشير أبحاث أخرى إلى أن الابتكار في التصميم السكني يُمكن أن يحفّز الشعور بالانتماء، ويعزّز التفاعل المجتمعي، ويخلق بيئات أكثر أمناً وسلاماً. لذا فإن تبنّي فلسفة التصميم الذكي والمستدام لم يعد خياراً، بل ضرورة تمليها المعايير الحديثة لجودة الحياة.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية توسيع قاعدة المشاركة في مثل هذه المؤتمرات النوعية، واستثمار المعارض المصاحبة لها كفرص حيوية لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الحضور، من مختلف القطاعات وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني. فالمؤتمرات ليست فقط منصات للنقاش، بل أدوات لنقل المعرفة وبناء شبكات من التعاون، وهي تشكّل فرصة ذهبية لتعزيز الوعي العام، وتحفيز مشاركة الأفراد، والمؤسسات، والشباب، والقطاع الخاص في صياغة رؤية جماعية لمستقبل الإسكان. فكلما اتسعت دائرة المشاركة، اتسع معها الأثر والتأثير.

وفي خضمّ فعاليات مؤتمر الابتكار في السكن الاجتماعي 2025، يبرز الدور الكبير لسعادة السيدة آمنة بنت أحمد الرميحي، وزيرة الإسكان والتخطيط العمراني، وفريقها في وضع نقطة تحوّل محورية في مسار تطوير السكن الاجتماعي في مملكة البحرين، وهو ما يجسّد الرؤية الاستراتيجية التي تتبناها المملكة نحو حلول إسكانية مبتكرة تنفيذاً لتوجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وجهود التطوير المستمرة التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.

إن جهود الابتكار والتغيير في مجال الإسكان تبيّن التوجهات المستقبلية لطرح حلول عملية ومبتكرة تلبّي تطلعات المواطنين وتضع معايير جديدة لجودة الحياة، والأمل دائماً بتحسين وتوسيع المواصفات السكنية وتحقيق أعلى درجات الراحة والأمان والاستقلالية والخصوصية في البيوت والمساكن الجديدة، فالإبداع في البناء لا يعني جودة المواد والتصميم، بل يشمل أيضاً الجماليات والمواصفات وكفاءة الطاقة، والراحة الحرارية، وسهولة الصيانة، مما يعزّز من قيمة المشاريع على المدى الطويل، فمؤتمر الابتكار في السكن الاجتماعي لم يكن مجرّد فعالية مؤقتة، بل خطوة استراتيجية لتغيير المفاهيم، وتحديث الأدوات، وتحفيز التفكير الجماعي نحو إسكان مستقبلي يليق بالإنسان ويواكب تحولات العصر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق