من يقرأ قوائم فوربس الشرق الأوسط هذا العام، لا يمكنه أن يغفل عن الحضور البحريني المتصاعد، سواء على مستوى السيدات القياديات، أو الشركات التكنولوجية، أو حتى المطورين العقاريين، فهناك خريطة جديدة تُرسم بهدوء، تحجز فيها البحرين موقعاً متقدّماً بفضل سياسات مرنة، واستراتيجيات تنموية يقودها قادة ملهمون.
لكن وسط هذه الإنجازات، يلفت النظر التحول الجذري في الملف الإسكاني في البحرين، فالحديث اليوم عن الإسكان في البحرين تجاوز الحديث عن الوحدات والأراضي، وتحول إلى رؤية اجتماعية متكاملة، ففي السابق كان البيت بالنسبة للشباب مشروعاً مؤجلاً، يقترب من التحقّق مع منتصف العمر في أحسن الأحوال، وغالباً ما يعترضه الدّيْن أو القبوع في طوابير الانتظار الطويلة، أما اليوم فلدينا جيل بحريني في منتصف العشرينات يحمل مفتاح منزله عند دخوله الحياة العملية والزوجية، وهو تحول لم يعرفه تاريخ المملكة إلا في عهد جلالة الملك المعظم، وبفضل توجيهات جلالته السامية الداعية إلى رفع كفاءة البرامج الإسكانية وتسريع وتيرتها بما يواكب طموحات المواطن البحريني.
وقد جسّدت الوزيرة آمنة بنت أحمد الرميحي هذا التوجه بديناميكية لافتة، إذ استطاعت خلال فترة وجيزة أن تنقل ملف الإسكان من سياسة خدماتية إلى مظلة تنموية تشاركية، ترتكز على التمكين، والمساواة، وتحفيز الإنتاجية الاجتماعية، وإشراك البنوك والقطاع الخاص كشريك أساسي في العملية التنموية، ولهذا كان اختيارها ضمن قائمة فوربس لأبرز القادة في القطاع العقاري الحكومي تتويجاً مستحقاً لهذه الجهود.
ولعل أبرز تعبير عن هذا التحوّل كان في مؤتمر الابتكار في السكن الاجتماعي 2025، الذي أُقيم تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، بما يعكس اهتمام القيادة بالمستقبل الإسكاني للبحرين، فالمنتدى كان عبارة عن منصة فكرية جمعت بين الخبرات الدولية والرؤية البحرينية، التي تسعى إلى جعل السكن مشروع حياة، لا مجرد سقف يظلّله المواطن.
وخلال الجلسة الافتتاحية، تحدثت الوزيرة آمنة الرميحي بواقعية وشفافية، مؤكدة أن الشباب البحريني يملك الطاقة والإرادة لتجاوز التحديات السكنية، إذا ما وُفرت له البرامج المناسبة، والحلول السريعة، والبيئة القانونية والمالية المحفّزة، وكانت الإشارة إلى مراجعة البرامج الإسكانية دورياً بمثابة دعوة لتجديد الفكر الإداري، وتوسيع دائرة المستفيدين، وتحديث آليات التوزيع بما يراعي التغيّرات الديمغرافية والاقتصادية.
وفي موازاة ذلك، قدّم المشاركون رؤى ثرية، من الصين إلى الأمم المتحدة، حول سُبل تمويل الإسكان الاجتماعي، ودور التكنولوجيا في تقليص فجوات التنفيذ، وأهمية تكامل المؤسسات الرسمية مع القطاع الخاص، ولكن البحرين لم تكتفِ بالاستماع، بل عرضت تجربتها كنموذج خليجي فاعل بدأ منذ عام 1962 مع تأسيس إدارة الإسكان وتطورها ليشمل مُدناً متكاملة مثل مدينة سلمان وشرق سترة.
المفارقة الجميلة أن المنتدى لم يكتفِ بالحديث عن المساكن، بل تطرّق إلى «قيمة المكان»، وضرورة إعادة تصميم الأحياء بما يخدم التفاعل الاجتماعي، ويحترم الهوية الثقافية، وفي هذا نظرة جميلة من شأنها إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان والزمن، وبذلك يمكث أهل المناطق في مناطقهم دون النزوح عن مسقط رأسهم.
وفي ظل رعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لهذا الملف الحيوي، واستمرار الدعم الملكي الكريم، ومع قيادة تنفيذية طموحة، فإننا أمام مرحلة جديدة من العدالة السكنية، تُقاس فيها التنمية بعدد الأسر التي تبدأ حياتها بكرامة، ومفاتيح، وأمل.
0 تعليق