يعود ترامب ليجدد سيناريو الأربع سنوات السابقة التي كان فيها في الرئاسة، لكن بإصرار شديد على فرض أجندته بشكل أكثر شراسة، ومن الأيام الأولى. الرئيس الأمريكي الجديد وقع على 33 أمراً تنفيذياً حتى الآن تتعلق أغلبها بقضايا المناخ واللاجئين، وشملت الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي ومنظمة الصحة العالمية.
والأوامر التنفيذية التي وقعها ترامب، تعطي مؤشراً واضحاً للتوجه القادم لأمريكا في عهده. فأمريكا ستكون ضد كل فكرة تروج لوجود جنسين غير الرجل والمرأة وهي المرة الأولى منذ عقود يتم فيها وضع حد لانتشار هذه الأفكار والسلوكيات والتي تحظى بدعم وتأييد فئة كبيرة من الأمريكيين من أصحاب النفوذ السياسي والإعلامي. أمريكا أيضاً ستبقى دولة تقدر الوقود الأحفوري، ولا تحاربه بل تسعى للاستفادة من استخراجه وإنتاجه بكميات ضخمة ليساعدها ذلك على إبقاء تقدمها في سباقها التجاري والتكنولوجي ضد الصين. إذاً، أمريكا في الأيام القادمة لا تهتم بقضايا المناخ، أو كل ما يتعلق بتغير الاقتصاد من أجل الحفاظ على البيئة. أمريكا أيضاً أكثر صرامة وتشدداً في قضايا المهاجرين غير الشرعيين لتقود العالم - المهيأ اليوم أكثر من أي وقت مضى - نحو الابتعاد عن سياسات فتح الحدود والسماح للجميع بالمرور بأقل التعقيدات.
وعلى الرغم أن الأمر التنفيذي المتعلق بإعادة تعريف حق الحصول على الجنسية للمولود على الأراضي الأمريكية تم تقييده ووقف العمل به فور صدوره من قبل أحد القضاة لتعارضه مع الدستور، إلا أنه سلط الضوء على نقطة ضعف كبيرة في التشريعات الأمريكية حول كيفية الحصول على الجنسية. وسمعنا جميعاً عن حالات كثيرة تتعمد فيها المرأة الحامل السفر لأمريكا للولادة هناك، وذلك من أجل حصول مولودها على الجنسية والتمتع بمزايا الجواز الأمريكي في استغلال واضح للتشريعات المرنة.
ترامب هذه المرة أيضاً يزداد قرباً لإسرائيل ليدغدغ مشاعر أكبر كتلة من ناخبينه وهم المسيحيون الإنجيليون الذين تربطهم علاقة دينية وثيقة بقصة "اسرائيل" في كتابهم المقدس، ويلغي الحظر عن الإسرائيليين المتطرفين المتهمين بممارسة العنف ضد الفلسطينين، والذين عاقبهم بايدن فترة رئاسته بمنع التعامل معهم. ولا عجب في ذلك، فترامب نصير بارز لإسرائيل وهو الرئيس الذي اعترف بالقدس عاصمة لها في ٢٠١٧.
لكن، يحسب له بلا شك تدخله الأخير في إيقاف الحرب على غزة والوصول إلى الاتفاق الذي سمح بتبادل الأسرى بين حماس والإسرائيليين.
ويعتقد أن أكثر ما يعاب على ترامب هذه المرة هو فريقه الذي يحتوي على وجوه جديدة على السياسة، وتحمل أفكارا قد تصنف على أنها متطرفة ومجنونة. وأبرز هؤلاء هو أغنى رجل في العالم وحليف ترامب الجديد إيلون ماسك الذي يتصرف بشكل غريب جداً هذه الأيام خلال ظهوره في تجمعات ترامب، والذي كرر مراراً رغبته في القضاء على البيروقراطية وتقليص الميزانية وعدد الموظفين في الجهاز الحكومي الأمريكي، لكن دون خطة واضحة أو دراية بخبايا العمل الحكومي. أيضاً من ضمن الفريق شخصية كانت وراء قرار منع المسلمين من دخول أمريكا في الفترة الرئاسية الأولى وهو ستيفن ميلر نائب رئيس الموظفين في البيت الأبيض ومستشار الأمن الداخلي، والذي يحمل أفكاراً غير مألوفة وتعد الأخطر تجاه المهاجرين واللاجئين.
الملخص أن ترامب في البيت الأبيض للمرة الثانية "ويحلم بالثالثة" ويتجه بعزم نحو تنفيذ رؤيته الاستثنائية في إدارة أقوى بلد في العالم بمساعدة فريق لا يخلو الكثير من عناصره من التطرف والغرابة، وقد يحتاج خصومه مفاجأة أكبر وأكثر تأثيراً من جائحة كورونا التي أطاحت به في المرة السابقة لتثنيه عن "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (حسب قوله).
0 تعليق