ألون بن مئير – (موقع ألون بن مئير) 2025/1/14
مع إدراك الرعب الذي تحمّله الشعب السوري على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية، فإن السؤال هو، هل سيفي زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع بوعوده العلنية بتحويل سورية إلى ديمقراطية حيث تسود الحرية والمساواة، بغض النظر عن مدى ضخامة مهمته؟اضافة اعلان
***
من الصعب اعتبار تقدير المهام الهائلة التي تواجه زعيم الثوّار السوريين أحمد الشرع وهو يحاول تعزيز سلطته سلميا مع مجموعات ثائرة أخرى والعمل على أجندته المحلية البعيدة المدى، بأنه مبالغة. وتشير جميع الدلائل إلى أن الشرع عازم على وضع سورية على مسار تحوّلي يؤدي إلى ديمقراطية تسود فيها المساواة الاجتماعية والسياسية، وتمنع سورية من الانزلاق مرة أخرى إلى الهاوية. ومع تحمّل سورية للجحيم على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية، فإنه يعرف أنه يجب عليه أن يثبت للعالم أنه يعني ما يقوله وأنه سيفي بوعوده لكسب الاعتراف والدعم الدوليين.
يجب على الشرع أن يعالج على مراحل عدة قضايا رئيسية تعترضها صعوبات هائلة، والتي ستحدّد ما إذا كان سيرتقي إلى مستوى المناسبة التاريخية، ويعيد بعث سورية من الرماد الذي خلفه نظام الأسد.
تعافي الأمة
نظرا للدمار الذي أصاب الشعب السوري بعد أربعة عشر عاماً من الاضطهاد المنهجي والتشريد والدمار وموت أكثر من ستمائة ألف سوري، لا شيء أكثر إلحاحاً من بذل الحكومة الجديدة جهوداً متضافرة لشفاء الأمة. إن توحيد كل الجماعات المتمردة تحت سقف واحد يشكّل خطوة أولى أساسية لجعل مثل هذا الجهد الوطني ممكناً.
ويتعين على الحكومة الجديدة أن تضع عقداً اجتماعياً جديداً من خلال إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، والبدء في المهمة الضخمة المتمثلة في إعادة تأهيل النازحين. ومن الأهمية بمكان تقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية إلى العدالة، ومنع الإعتقال التعسفي واتباع الإجراءات القانونية. ومن الضروري للغاية إنشاء هيئة على المستوى الوزاري للسلام والعدالة والمصالحة، فضلاً عن حظر الإنتقام والقصاص، وتوضيح أن الجناة سيواجهون العدالة مع الحفاظ على أدلة الفظائع لضمان المساءلة في المستقبل.
نظام سياسي شامل
لأن سورية تضم نحو عشرين مجموعة عرقية ودينية مختلفة، بما في ذلك الطوائف المسيحية المتعددة، فإن النظام السياسي الجديد يجب أن يكون شاملا ويسمح بمشاركة جميع المجموعات في العمليات السياسية. ومن الأهمية بمكان إصلاح الدستور للاعتراف بالحقوق السياسية لجميع شرائح السكان لضمان الإنتقال السلس إلى نظام ديمقراطي لامركزي، بما في ذلك إلغاء جميع القوانين والممارسات التمييزية وضمان الحرية الدينية والمساواة للجميع.
كان قد تم تهميش جميع المجموعات العرقية والدينية تقريباً، باستثناء العلويين الذين حكموا البلاد، سياسياً. وبالتالي، فإن الشمولية السياسية والانتخابات الحرة والنزيهة هما أمران حاسمان للتماسك الاجتماعي، وهو ما يحتاج إليه الشعب السوري بشدة.
المساواة الاجتماعية والاقتصادية
أدت أربعة عشر عامًا من الدمار إلى تدمير النسيج الاجتماعي للبلاد وسحقه اقتصاديا. ومن الناحية الاقتصادية، تحتاج الحكومة الجديدة بشكل عاجل إلى إصلاح هذا الخلل الملحوظ من خلال اتخاذ التدابير التالية من بين أمور أخرى: وضع خطة إعادة إعمار مستدامة لإعادة بناء الاقتصاد؛ وتنشيط القطاع الخاص، وخلق فرص العمل؛ والعمل مع المستثمرين الدوليين والجهات المانحة والمنظمات المحلية بشفافية وتعاون للمساعدة في إحياء الاقتصاد ودعم الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم ماليًا وفنيًا لتحفيز النمو. وينبغي إنشاء أمانة للمانحين لتقديم المساعدات المالية المرتبطة بإعادة الإعمار، وكذلك الإلتزام الكامل بالديمقراطية حيث تسود حقوق الإنسان.
على الصعيد الاجتماعي يتعين على الحكومة أن تستثمر في التعليم والرعاية الصحية وتخفيف حدة الفقر وانعدام الأمن الغذائي. ويتعين عليها أن تنفذ برامج دعم زراعي مستدامة، وأن تزيل كل العقبات للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق، وأن تتعاون مع دول العالم لضمان تدفق المساعدات الإنسانية. والأهم من ذلك، يتعين عليها أن تخلق الظروف التي تسمح للاجئين والنازحين داخليًا بالعودة إلى ديارهم مع عكس التغييرات الديموغرافية التي ربما تكون قد حدثت في ظل القمع الوحشي الذي مارسه الأسد.
استبعاد القوات الأجنبية
على مدى العقود العديدة الماضية، كانت القوات الأجنبية والمنشآت العسكرية من روسيا وتركيا وإيران متمركزة في سورية. ولكي تظهر كدولة مستقلة حقًا، يتعين على الحكومة أن تطلب من القوى الأجنبية سحب قواتها من البلاد. ويتعيّن على الحكومة السورية أن تؤكد على أنه نظرًا لدخول سورية عصرا جديدا، فإن استضافة القوى الأجنبية لم تعد ضرورية ولا تؤدي إلا إلى تقويض سيادة سورية.
روسيا: يتعين على الحكومة الجديدة أن تدعو روسيا إلى سحب قواتها من سورية. وقد طالبت الحكومة السورية بالفعل روسيا بسحب قواتها العسكرية بحلول منتصف شباط (فبراير)، ويمكنها الآن الاستفادة من القدرات العسكرية المحدودة لروسيا بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا.
كما ينبغي للحكومة السورية أن تلغي "عملية أستانا" التي سمحت لروسيا وإيران باستخدام جيوشهما لضمان بقاء نظام الأسد في حين تخدم مصالحهما الإقليمية الاستراتيجية. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تؤكد الحكومة على أن بإمكان البلدين تطوير علاقة بديلة مفيدة للطرفين في العديد من المجالات، بما في ذلك التنمية الاقتصادية.
تركيا: نظراً لأن تركيا دعمت الثوار في مساعيهم للإطاحة بالأسد، سيكون من الصعب للغاية على الحكومة السورية أن تتخلص من الوجود العسكري التركي في سورية. ومثل روسيا، استخدمت تركيا أيضاً إطار أستانا لتبرير وجودها العسكري، خاصة في شمال سورية، لمحاربة القوات الكردية، وهو ما تعتبره أنقرة أمرا بالغ الأهمية لمصالحها الوطنية.
بالإضافة إلى التأكيد على سيادة سورية، ينبغي للحكومة الجديدة أن تقدم لتركيا خططاً لمحاربة الجماعات الإرهابية، والتفاوض على عودة اللاجئين السوريين، والانخراط مع الأكراد السوريين للتوصل إلى تسوية تتعامل مع المخاوف الأمنية التركية، وتقديم تعاون اقتصادي واسع النطاق، واقتراح الانسحاب التدريجي للقوات، والسعي إلى الحصول على الدعم الدولي لممارسة الضغوط الدبلوماسية والمالية على تركيا.
إيران: طالب أحمد الشرع بالفعل إيران بسحب قواتها وجميع منشآتها العسكرية من سورية. ويجب أن تطالب بعدم التدخل في سورية ذات السيادة، وإلغاء الوصول إلى المجمعات العسكرية التي كانت تستخدمها إيران في السابق، وتعزيز أمن الحدود لمنع إيران من العودة إلى سورية، ومنعها من تهريب الأسلحة إلى "حزب الله".
علاوة على ذلك، ينبغي أن يهدد النظام الجديد بإلغاء كلّ التعاون الاقتصادي الثنائي إذا لم تحترم إيران سيادته، والسعي إلى الحصول على الدعم من الأمم المتحدة للضغط على إيران لاحترام السيادة السورية، وأن توضح لطهران أنها لن تسمح باستخدام سورية كمسرح لتهديد إسرائيل.
إسرائيل: استغلت إسرائيل سقوط الأسد وبدأت عمليات قصف مكثفة لتدمير المنشآت العسكرية ومخازن الأسلحة التابعة للأسد، في حين قامت باحتلال المنطقة العازلة وجبل الشيخ. ونظراً لحساسية إسرائيل الشديدة بشأن بأمنها، يتعيّن على حكومة الشرع أن تتعامل بحذر مع إسرائيل لمنع أي صراع عسكري من شأنه أن يقوّض بشكل خطير الحاجة الملحة إلى إعادة تأهيل البلاد.
ينبغي أن تلتزم الحكومة الجديدة بالكامل باتفاقية فكّ الإرتباط لعام 1974 (التي التزمت بها بالفعل) وأن تطلب من إسرائيل أن تفعل الشيء نفسه، مع توضيح أنها ستسعى إلى حلّ سلمي لجميع الصراعات مع إسرائيل. ومن الضروري إقامة اتصالات خلفية لمناقشة أمن الحدود، واقتراح تدابير لبناء الثقة، بما في ذلك إدارة المياه في المنطقة الحدودية، والعمل مع قوة مراقبي فكّ الإرتباط التابعة للأمم المتحدة لضمان الرصد الفعال للمنطقة العازلة.
لا مبالغة في تقدير المهمة الهائلة التي يتعيّن على الشرع والحكومة الجديدة في سورية أن يضطلعا بها على جميع الجبهات لتحقيق الاستقرار في البلاد وتجنب العنف داخليا وخارجيا. وتجدر الإشارة إلى أن سورية لا تستطيع معالجة هذه المهمة الضخمة بمفردها. إن لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وإسرائيل مصلحة راسخة في الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليميين، ويجب عليهم التعاون مع النظام السوري الجديد لتحقيق أهدافهم المشتركة، بدءا من إزالة تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية وإضفاء الشرعية على سلطتها الحاكمة.
حتى الآن، تشير كل الدلائل إلى التزام الحكومة السورية الجديدة بتنفيذ هدفها المعلن المتمثل في إنهاء المعاناة وشق طريق جديد نحو السلام والأمن، وهو ما يتوق إليه الشعب السوري بشدة.
*د. ألون بن مئير Alon Ben-Meir: صحفي إسرائيلي من أصل عراقي. أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نيويورك وزميل بمعهد السياسة الدولية. ولد في بغداد في العام 1937. متخصص في سياسات الشرق الأوسط، وخاصة مفاوضات السلام بين إسرائيل والعالم العربي. يعد من داعمي السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومن خصوم اليمين الإسرائيلي المتطرف.
0 تعليق