بيتر بينارت - (جويش كرنتس) 24/11/2024
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
في فترة ولايته الثانية، كما في ولايته الأولى، قد ينتقد ترامب نتنياهو –لكن مستشاريه سيتفوقون عليه في المناورة لضمان أن تمتع إسرائيل بحرية العمل.اضافة اعلان
* * *
لفهم الكيفية التي يمكن أن يتعامل بها دونالد ترامب مع إسرائيل في فترة ولايته الثانية، تجدر مراجعة مواقفه في بداية ولايته الأولى. بعد أسابيع قليلة من تنصيبه في ذلك الحين، وصل بنيامين نتنياهو إلى واشنطن وتلقى استقبالا باردا بشكل مدهش. وفي مؤتمر صحفي مشترك، قال ترامب للزعيم الإسرائيلي: "أود أن أراك تتراجع قليلا بشأن المستوطنات". وبعد أن تعهد "بصنع صفقة" للسلام في الشرق الأوسط، أعلن ترامب: "كما هو الحال مع أي مفاوضات ناجحة، سيتعين على كلا الجانبين تقديم تنازلات". ثم نظر إلى نتنياهو وقال: "أنت تعرف هذا، أليس كذلك"؟
في ذلك الحين، ترددت أصداء تعليقات ترامب على نطاق واسع، وتحرك الفلسطينيون لاغتنام فرصة الانفتاح المحتمل. وفي أيار (مايو)، تملق رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ترامب في اجتماع بالبيت الأبيض بإخباره بأنه يستطيع إحلال السلام. وبدأ ديفيد فريدمان، سفير ترامب المعيّن حديثًا في إسرائيل والمعارض المتحمس لإقامة دولة فلسطينية، يشعر بالقلق. وأبلغ أحد حلفاء عباس "الرئيس بأن عليه الضغط على نتنياهو واحتضان عباس من أجل إبرام صفقة"، كما أعلن فريدمان في مذكراته، "مطرقة ثقيلة" Sledgehammer. وكتب: "وقد اشترى ترامب ذلك". ووصف ممثل ترامب الخاص للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات، وهو مؤيد متحمس آخر لفكرة وجوب أن تمتد مساحة إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وضع فريدمان في ذلك الحين بأنه "في حالة من الذعر". كان يخشى أن ترامب "سيشد البراغي على نتنياهو من أجل فرض صفقة". وبحسب ما ورد، كان نتنياهو قلقًا أيضًا.
وهكذا، تفتق ذهن مستشاري ترامب المؤيدين لإسرائيل عن خطة. طلب فريدمان من نتنياهو "إعداد مقطع فيديو قصير" لعباس وهو يدلي بتصريحات فيها ملاحظات عن المقاومة الفلسطينية المسلحة، بحيث تجعله يبدو سيئًا في نظر الرئيس. وقد نجحت الحيلة. بعد أن قام الإسرائيليون بتشغيل الشريط لترامب خلال زيارة له إلى القدس، صرخ الرئيس، "واو، هل هذا هو نفس الرجل الذي التقيت به في واشنطن الشهر الماضي؟ لقد بدا وكأنه رجل لطيف ومسالم". وعندما التقى ترامب بعباس في رام الله في اليوم التالي، قام بتوبيخ الزعيم الفلسطيني لإشرافه على سياسة "دفع رواتب للأشخاص الذين يقتلون الإسرائيليين". ووفقًا لجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، الذي تربطه علاقات وثيقة بنتنياهو، قال الرئيس لعباس: "لا أعتقد أنك تريد إبرام صفقة".
وكتب فريدمان: "لقد تفادينا تلك الرصاصة".
تُظهر هذه القصة دينامية يُحتمل كثيرًا أن تعمل مرة أخرى في ولاية ترامب الثانية: سوف ينتقد الرئيس السلوك الإسرائيلي بطُرق تفاجئ وسائل الإعلام وتثير غضب حلفائه من اليمين المؤيد لإسرائيل. لكن هذا لن يهم، لأنه يحيط نفسه مرة أخرى بمؤيدين متحمسين للدولة اليهودية. وبالنظر إلى جهل ترامب، وكسله وعدم كفاءته، فإن مستشاريه المؤيدين لإسرائيل سوف يناورون من حوله لضمان أن تمتع إسرائيل بحرية التصرف بيد طليقة.
استمرت انتقادات ترامب لنتنياهو طوال فترة ما بعد رئاسته. بعد بضعة أشهر من مغادرته البيت الأبيض، قال لأحد المحاورين أن "بيبي لم يرغب في صنع السلام. لم يفعل ذلك أبدا". وعلى الرغم من أن ترامب دعم في البداية الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أنه أصبح شديد الانتقاد لها مع تصاعد الدمار. وقال في آذار (مارس) من العام الماضي أن "إسرائيل ارتكبت خطأ فادحا جدا" بسماحها "بإلقاء وابل من القنابل على المباني في غزة.. إنها صورة سيئة للغاية أمام العالم". وبعد المقابلة، قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب وأحد صقور عهد جورج دبليو بوش، والذي نأى بنفسه منذ ذلك الحين عن الرئيس الخامس والأربعين، أن التعليق "يثبت النقطة التي حاولتُ شرحها للناس: أن دعم ترامب لإسرائيل في الولاية الأولى غير مضمون في الولاية الثانية، لأن مواقف ترامب تُصنع على أساس ما هو جيد لدونالد ترامب، وليس على بعض من النظريات المتماسكة للأمن القومي".
من المحتمل كثيرا أن يكون بولتون محقا في تقديره أن ترامب لا يهتم كثيرا بإسرائيل. إنه لا يهتم كثيرا بأي شيء سوى نفسه في نهاية المطاف. لكن بولتون مخطئ في افتراض أن تفضيلات ترامب الشخصية هي التي ستحدد السياسة في فترة ولايته الثانية، ذلك لأن ترامب يعمل داخل الحزب الجمهوري المعاصر، حيث لا توجد شخصيات نافذة تقريبًا -من بين السياسيين، أو المانحين، أو خبراء السياسة الخارجية- التي ستكون حريصة على تحدي الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل. وحتى جي. دي. فانس، الذي يشكك في الدعم الأميركي لأوكرانيا، لا ينطوي على نفس هذا التحفظ عندما يتعلق الأمر بالدولة اليهودية. في هذه البيئة، حتى رئيس جمهوري منخرط للغاية ومقود بالسياسة سيكافح للعثور على مستشارين مستعدين لتحدي نتنياهو.
ومن المؤكد أن ترامب أكثر جهلًا وانغماسًا في نفسه من أن يفعل. بدلاً من ذلك، يفضل أن يسلك الطريق الأقل مقاومة فيحيط نفسه بأشخاص مرتبطين ارتباطًا وثيقًا باليمين اليهودي والمسيحي المؤيد لإسرائيل. في الفترة الأولى، كان هذا يعني فريدمان، وغرينبلات، وكوشنر، وسفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة هايلي، ووزير الخارجية مايك بومبيو. وفي ولايته الثانية، شرع في تجميع مؤيدين أكثر تطرفًا وتحمسًا لعقيدة "إسرائيل الكبرى" التي ستمتد من النهر إلى البحر: السفير لدى إسرائيل مايك هاكابي؛ والسفيرة في الأمم المتحدة إليز ستيفانيك؛ ومستشار الأمن القومي مايك والتز؛ ومبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، كما أن مرشحَيه لمنصب وزير الخارجية ووزير الدفاع، ماركو روبيو وبيت هيغسيث، هما مؤيدان متحمسان لإسرائيل أيضًا، ويدير دبلوماسي ترامب السابق والصقوري المتطرف بشأن إيران، بريان هوك، الفريق الانتقالي لوزارة الخارجية. وعلى الرغم من أن ترامب عرض نفسه خلال حملته الانتخابية في بعض الأحيان كمرشح سلام سينهي حروب إسرائيل في غزة ولبنان، إلا أن هذا الفريق المتنامي يشير بوضوح إلى أنه من المرجح أن يساعد إسرائيل على أن تكون حتى أكثر وحشية.
هذا بالتأكيد هو الدرس المستفاد من ولاية ترامب الأولى. وتوضح روايات مستشاريه السابقين السبب في أنه سياساته -على الرغم من أنه عبّر عن غرائز مستقلة من حين لآخر- اتبعت العقيدة اليمينية المتطرفة، مما أسعد المتشددين في الولايات المتحدة وإسرائيل.
في مذكراته، "كسر التاريخ" Breaking History، يشير كوشنر إلى أن ترامب كان مترددًا في نقل السفارة الأميركية إلى القدس من دون الحصول على شيء من الحكومة الإسرائيلية في المقابل. كان ترامب، الذي أحب "انتزاع تنازلات من شركائه في التفاوض"، مفتونًا بفكرة استخدام هذه الخطوة للضغط على إسرائيل لتجميد نمو المستوطنات. وفي 2 كانون الأول (ديسمبر) 2017، سأل ترامب كوشنر عما إذا كانوا يرتكبون خطأ بمنح نتنياهو نقل السفارة مجانًا. وأجاب كوشنر بأن "هذه الخطوة ستبني رأس مال مع الشعب الإسرائيلي" وبالتالي تسهِّل على القادة الإسرائيليين "تقديم بعض التنازلات السياسية الصعبة" في المستقبل. وفي اليوم التالي، تردد ترامب مرة أخرى. سأل: "هل ما تزال تشعر بأنك واثق من أن هذه هي الخطوة الصحيحة"؟ وطمأنه كوشنر مرة أخرى. وبعد يومين، بدأ ترامب "في تقييم قراره مرة أخرى"، كما يتذكر كوشنر، لكنه مضى قدمًا في خطوة السفارة على أي حال. ببساطة، لم يكن ترامب مهتمًا أو قلقًا بما يكفي لترجمة مخاوفه إلى سياسة.
بعد ذلك، اتبّع قرار ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان نمطًا مماثلاً. عندما اقترح كوشنر وبولتون لأول مرة أن تعترف الولايات المتحدة بملكية إسرائيل للأراضي التي استولت عليها من سورية في العام 1967، رفض ترامب. وأجاب: "لقد فعلت الكثير من أجل بيبي مسبقًا. دعونا نر ما سيفعله باتفاق السلام أولاً". ولكن، في آذار (مارس) 2019، قام كوشنر بتشجيع فريدمان على المحاولة مرة أخرى. وعندما طمأن فريدمان ترامب إلى أنه من خلال منح الاعتراف، فإنه لن يعترف إلا بالواقع كما هو على الأرض، طلب ترامب من مساعده، دان سكافينو، صياغة تغريدة تعلن تغيير سياسة الولايات المتحدة. "ما رأيك"؟ سأل ترامب كوشنر، الذي أجاب كما هو متوقع، "هذا سيسير بشكل جيد وسيكون عملاً تاريخيًا". ثم سأل ترامب فريدمان: "هل أنت متأكد بشأن هذا الأمر"؟ فأجاب فريدمان: "ألف بالمائة يا سيدي. سوف يجلب هذا ردود فعل رائعة". وهكذا، تم إرسال التغريدة.
المثال الأخير لتشكيك ترامب في دعمه لإسرائيل، وبالتالي استياء مستشاريه مؤقتًا قبل أن يسير معهم في نهاية المطاف، جاء في العام الأخير من رئاسته. أصبح ترامب معروفًا بتجاوزه الفلسطينيين من خلال "اتفاقيات إبراهيم" بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. ولكن قبل ذلك، أصدر خطة سلام خيالية لإسرائيل وفلسطين، صاغها كوشنر، وفريدمان، وهوك، والمسؤولة السابقة في إدارة بوش دينا باول، ونائب كوشنر، آفي بيركوفيتز (الذي كان كوشنر قد التقى به في حفل عيد الفصح اليهودي في "فندق بيلتمور" في فينيكس قبل عقد من الزمان). في كانون الثاني (يناير) 2020، قال كوشنر لترامب: "نعتقد أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لإطلاق خطة سلامك". وتفاخر كوشنر بأن نتنياهو ومنافسه السياسي الإسرائيلي، بيني غانتس، كانا على استعداد لتأييد الصفقة -ولم يكن هذا مفاجئا، لأن الصفقة سمحت لإسرائيل بالاحتفاظ ب 30 في المائة من الضفة الغربية، ولم تطلب منها تفكيك أي مستوطنات، ولم تعرض على الفلسطينيين أي سيادة فعلية. وسأل ترامب مستشاره: "إذن، وافق كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على هذا"؟ واعترف كوشنر بأن الفلسطينيين لم يفعلوا، لكنه قال إنهم سيلامون على رفض الصفقة. ولم يقتنع ترامب. ربما لأنه شعر بأن الصفقة لا تملك فرصة نجاح تذكر إذا تم استبعاد الفلسطينيين، أعلن: "لا أريد أن أفعل أي شيء إذا قال عباس لا"، وأصدر تعليماته لموظفيه بترتيب مكالمة مع الزعيم الفلسطيني.
مرة أخرى أيضًا، كان مستشارو ترامب المؤيدون لإسرائيل يائسين. ووفقًا لكوشنر، فإن "رغبة ترامب في الحصول على موافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أن نصدر الخطة أوقفت استراتيجيتنا وقلبتها رأسًا على عقب". ويروي كوشنر عن فريدمان أنه صرخ: "لقد انتهى الأمر الآن. لن ترى خطتنا النور أبدًا. كانت كل جهودنا من أجل لا شيء". لكن عباس رفض التحدث إلى ترامب حتى يتم إصدار الصفقة. وبذلك، كالعادة، حددت السياسات التي كتبها مستشارو ترامب النتيجة، ومضت خطة السلام قدمًا على الرغم من تحفظات الرئيس.
ثمة القليل من الأسباب للاعتقاد بأن الدينامية ستكون مختلفة في ولاية ترامب الثانية. إذا كان ثمة شيء، فهو أن مستشاري ترامب سيكونون أكثر تأييدًا لإسرائيل من أسلافهم في المرة الأولى. في بداية ولاية ترامب الأولى، سعى وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، ووزير دفاعه جيمس ماتيس -وكلاهما عارض نقل السفارة الأميركية إلى القدس- في بعض الأحيان إلى موازنة رأي المستشارين المتشددين مثل كوشنر وفريدمان وغرينبلات. ولكن الآن، بعد أن تغلب ترامب تمامًا على الحرس القديم الحذِر نسبيًا من الحزب الجمهوري، قام بتعيين فريق للشرق الأوسط مليء بالمتطرفين. قال هاكابي إنه لا يوجد شيء اسمه فلسطيني. واستخدمت ستيفانيك مزاعم معاداة السامية لشن هجوم على حرية التعبير في حرم الجامعات. وروبيو مقرب من المانحة الكبرى، ميريام أديلسون، التي يقال إنها تريد من الولايات المتحدة أن تبارك ضم إسرائيل للضفة الغربية. والآن بعد أن بلغ ترامب من العمر 78 عامًا، وأصبح في تراجع واضح، يزداد احتمال أن لا تكون لديه القدرة على التحمل الجسدي والتماسك العقلي للتغلب على فريق يبدو مكرسًا للسماح للحكومة الإسرائيلية بانتهاج سياسات تدفع الفلسطينيين إلى العيش في غيتوهات تزداد ضيقًا وازدحامًا، حيث تنحصر خياراتهم بين البؤس، والتهجير، والموت.
في الأسابيع والأشهر المقبلة، يمكن كثيرًا أن ينتقد ترامب قادة إسرائيل، أو حروبها في غزة ولبنان، وأن تحذر وسائل الإعلام -المنتبهة دائمًا إلى القصص التي تتعارض مع النمط- من أن أيام دعم الدعم الأميركي لنتنياهو على بياض ربما تقترب من نهايتها. ولكن، لا يخدعنك ذلك. بالنسبة للحزب الجمهوري الذي أصبح الآن مُعرّفًا باعتناق القومية العرقية، فإن الدعم المتحمس لإسرائيل أساسي مثلما هو حال العداء للهجرة غير البيضاء إلى الولايات المتحدة. قد يتردد ترامب ويتوانى قليلًا في دعمه لإسرائيل. لكن رئاسته لن تفعل.
*بيتر بينارت Peter Beinart: كاتب وصحفي ومحلل سياسي ومتحدث بارز في قضايا السياسة الخارجية الأميركية، وأستاذ في كلية الدراسات الدولية والعامة بجامعة نيويورك، معروف بتحليلاته السياسية حول الشرق الأوسط، خاصة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. كان مؤيدًا لإسرائيل في بداية حياته، لكنه أصبح لاحقًا أحد أبرز المنتقدين لسياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، وللوبيات الإسرائيلية في الولايات المتحدة، مثل (آيباك) وغيره، لدورها في دعم السياسات الإسرائيلية القمعية. دعا إلى دولة واحدة ديمقراطية بدلاً من حل الدولتين، حيث يتمتع الفلسطينيون والإسرائيليون بحقوق متساوية. من أبرز مؤلفاته كتاب "أزمة الصهيونية" The Crisis of Zionism، الذي يناقش فيه التحولات داخل الحركة الصهيونية وتأثيرها على الديمقراطية في إسرائيل؛ و"القتال الخيّر" The Good Fight، الذي يتناول السياسة الأميركية بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). يُعتبر اليوم من الأصوات البارزة التي تسلط الضوء على الحقوق الفلسطينية في الإعلام الأميركي، مما جعله شخصية مثيرة للجدل داخل الأوساط المؤيدة لإسرائيل. وهو محرر مجلة "تيارات يهودية" Jewish Currents. الحرية تنتزع ولا تمنح
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump’s Israel Instincts Don’t Matter
0 تعليق