قهوة العم حسين

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إنها الساعة الخامسة مساءً، حان موعد قهوتي المُرّة، لكنني اليوم على غير العادة قرّرت أن آخذها في الهواء الطلق في ذلك المقهى المشهور ذي الإطلالة الخلاّبة على البحر مع نغمات موسيقى الجاز آآآآآآه وهل أجمل من هذا شعور؟ في طريقي للمقهى فتحت نافذة السيارة أستنشق رائحة البحر، تساءلتُ بِحيرة "غريب كيف يكره الناس رائحة البحر؟" قلت أحدث نفسي "أنا أحب البحر، أحب كل ما فيه من هدوء وجنون، أحب كيف يعكس نور القمر ويكسره ليلاً ليتلألأ على أمواجه كما حبات الألماس".

بالقرب من المقهى المشهور هناك عربة بسيطة تبيع المأكولات الشعبية، كنت أتردد عليها غالباً في الشتاء، البائع في العربة "عم حسين" يعرفني جيداً، ويعرف أبنائي، ويعرف أنني لا أشرب القهوة المُرّة الساخنة إلا بإضافة مكعب ثلج واحد، نعم أنا لي ذوق خاص في القهوة، أحبّها مُرّة وبلا سُكّر شديدة السواد، لكنّي أفضلها دافئة، لا أحبها ساخنة ولا باردة، "عم حسين" يعرف تماماً كيف يُعدّها لي، ذكريات القهوة المُرّة في العربة أغرتني كثيراً، كما أن المكان الرومانسي لم يُعجب أبنائي، رومانسيته كانت طاغية جداً لم تستوعبها قلوبهم الصغيرة، لكنّني هنا الآن في المقهى، ماذا عساني أفعل؟

النادل بدأ يُعرب لي عن تململه بلا كلمات، وأخذ ينقل نظره لذلك الطابور من الناس الذين يقفون على باب المقهى في انتظار الحصول على فرصة للدخول، بعد صمت طويل طلبت عصيراً بارداً، نظرات الاستغراب علت وجوه أبنائي، حتى إن ابنتي لم تتمالك نفسها سألتني باستغراب، ماما هذا موعد قهوتك؟ وأنتِ في الغالب لا تشربين المشروبات الباردة؟ أجبتها ببرود "سآخذ قهوتي من عربة العم حسين، لا أحد يعرف كيف يُتقنها كما يفعل" العم حسين لا يملك في عربته الإطلالة الخلابة للبحر، ولا موسيقى الجاز التي أعشقها، لكنّه يعلم جيداً أنني سأعود دائماً لأتمتع بأجمل كوب قهوة من المُمكن أن أتذوقه.

في المقهى المشهور تجلس الناس وتنتظر كثيراً أمام الباب للحصول على فرصة الدخول لتسجيل حضورهم ولإثبات أنهم من بين مرتادي ذلك المكان الفخم ذي الإطلالة الخلابة، ليقضي فيه الأغلبية تلك اللحظات الفارغة برفقة صديق أو قريب، لكن الاستمتاع بكوب القهوة قد لا يعني بالضرورة أن تجلس في مكان فاخر ذي إطلالة، إن شخصاً بسيطاً يُعدّ لك كوب قهوتك كما تحب قد يعني لك أكثر مما تظن.

الخلاصة: تأمل حولك واطرح على نفسك السؤال، هل أنا هنا لأستمتع بكوب قهوتي أو أنني هنا لأسجل حضوري في سجل الزيارات؟ هذا تماماً ما يحدث عندما نضع أنفسنا في كثير من المواقف لا لأننا نريد أن نكون بها بل رغبة منا في الظهور وكأننا نهتم، في حين تتوق قلوبنا لنكون في مكان آخر تماماً. في النهاية لا تُجبر نفسك على الجلوس في المقهى ذي الإطلالة إن كنت تحب كثيراً أن تحتسي قهوة العم حسين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق