نجحت البحرين في ترسيخ نموذج متقدم في تعزيز وتطوير العدالة الجنائية، والوقاية من الجرائم، وحماية المجتمع في ظل التطورات المتسارعة على المستويين الاجتماعي والتكنولوجي بانخفاض قضايا العنف الأسري إلى اعتماد العقوبات البديلة وتطوير منظومة العدالة التصالحية، وما جاء في تقرير النائب العام د. علي بن فضل البوعينين المنشور في الصحف المحلية بتاريخ 19 يناير 2025 يعكس صورة واضحة للمنجزات المحققة عام 2024 في هذا المجال، والتي ارتكزت على توظيف أحدث الأساليب القانونية والاجتماعية، بجانب استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في تعزيز كفاءة العمل القضائي، كما عكس الكثير من الرؤى الحالية والمستقبلية لجهود مملكة البحرين، والتي تشكل خارطة طريق للتخطيط المستقبلي لمواجهة التحديات.
حيث إن ما تضمنه هذا التقرير من أرقام إحصائية بصورة دقيقة وشفافة تعكس خطوة نحو مجتمع مستقر بانخفاض قضايا العنف الأسري، والتي تظهر أثر الجهود التوعوية والقانونية في التصدي لهذه الظاهرة وزيادة الوعي الأسري بدور المؤسسات القانونية في حماية الأفراد من العنف؛ مما يشجع الضحايا على اللجوء للمساعدة حيث البعد الاجتماعي الذي يعطي تطلعات لأبعاد مستقبلية منها: استمرار انخفاض هذه المعدلات يرتبط بتكثيف البرامج التوعوية وزيادة دعم المبادرات مثل مكتب الصلح في قضايا الأسرة، والذي قد يكون له دور أكبر في حل النزاعات قبل تفاقمها.
كما أن العقوبات البديلة التي استفاد منها 7836 منذ بداية تطبيق هذا القانون عملت على تحول كبير في السياسة الجنائية البحرينية حيث خلق توازن ما بين معاقبة المخطئين وإعادة تأهيلهم اجتماعياً واقتصادياً، ومنها أعطى إعادة لتعريف العدالة الجنائية التي يمكن توسيع نطاقها لتشمل المزيد من القضايا غير الخطيرة ما يخفف العبء عن السجون، ويعزز قدرة الأفراد على المساهمة الإيجابية في المجتمع حيث البعد المستقبلي.
ومن الإنجازات الرئيسة المتميزة التي كان لها دور كبير في معالجة الكثير من الجرائم التي تأتي ضمن نطاق الأسرة العدالة التصالحية -بأداة حل النزاعات الأسرية- وجود مكتب الصلح لقضايا الأسرة والطفل الذي قلل من آثار النزاعات القانونية على أفراد الأسرة خاصة الأطفال كما عزز من فرص استقرار العلاقات الأسرية، مبادرة ناجحة بمختلف الأصعدة وبتوسعتها لتشمل حالات النزاعات المجتمعية الأكبر قد تساهم في خلق نموذج شامل للعدالة التصالحية يُمكن أن يُطبّق في مختلف القطاعات.
ومع تحديات العصر الرقمي كان ارتفاع عدد الجرائم الإلكترونية التي سجلتها نيابة الجرائم الإلكترونية بعدد 9987 قضية الأعلى بين النيابات الأخرى، فهذا يعكس زيادة استخدام التكنولوجيا ولكن في المقابل ضعف الرقابة الذاتية والمجتمعية على استخدام المنصات الرقمية، وبوجود الحملة الوطنية "حماية" تظهر المبادرة الاستباقية لمكافحة استغلال الأطفال إلكترونيًا حيث وعي البحرين بخطورة هذه القضايا، لذا كان من الضروري تكثيف وتعزيز برامج التوعية الرقمية، وتطوير التشريعات الإلكترونية، والاستثمار في أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على رصد الجرائم قبل وقوعها، لذا كانت هي النقلة النوعية بوجود الذكاء الاصطناعي في القضاء بصدور القرار رقم (14) لعام 2024 لتنظيم عمل فريق الذكاء الاصطناعي في النيابة العامة، والذي يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز العدالة الذكية حيث يسهم في تقليل زمن معالجة القضايا وزيادة دقة القرارات خاصة في القضايا المعقدة مثل الجرائم المالية وغسل الأموال حيث الاستثمار المستمر في هذه التقنية يجعل البحرين نموذجاً إقليمياً للعدالة القائمة على التكنولوجيا، مما يحفز الدول الأخرى على تبني هذه الممارسات.
إن القراءة التحليلية على ما ورد من إحصائيات وأرقام في تقرير النائب العام يعكس جهود مملكة البحرين في خلق فكر جديد للعدالة الجنائية من خلال الاعتماد على العدالة التصالحية والعقوبات البديلة والأنسنة العقابية والتقنيات الحديثة لاستقرار المجتمع ليكون أكثر أماناً وإنسانية مؤكداً على أن العدالة ليست مجرد تطبيق قوانين، بل هي نهج شامل يراعي الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية في آنٍ واحد.
0 تعليق