طوال مسيرتي المهنية، كنت ومازلت أركّز في أنماط الشخصيات وتباين سلوكيات المسؤولين الذين أتعامل معهم، سواء من ناحية مهنية تربطني بمواقع عملي المختلفة، أو من ناحية إعلامية، وهي العلاقة التي تجمعنا مع أنواع مختلفة منهم عبر الارتباط الإعلامي والصحفي.
في كلتا الحالتين والنوعين تلفت انتباهي دوماً تفاصيل دقيقة، وملامح عامة، تمنحني الفرصة والقدرة على تصنيف الشخوص وإدراك كثير من الأمور التي تميز هذه الشخصيات.
ماذا وجدت؟! الكثير من الأمور، وأهمها تلك التي تجعلك تدرك أنك أمام شخص مؤهّل كفوء و"يملأ" منصبه باستحقاق وجدارة. في المقابل أمور تجعلك تنصدم بأشخاص، المنصب والمسؤولية أكبر من قدراتهم، وأساليب الإدارة لديهم شيء غريب بالفعل، وكل هذه الأمور تجعلك تتساءل باستغراب "كيف وصل لهذا الموقع"؟!
نحن في زمن يتطلّب الجدية اليوم في كل شيء، وعليه حينما نجد شخصاً غير مؤهّل لشغل المنصب الذي أُوكل إليه، فإننا يجب أن نحسبها بمعادلة "الربح والخسارة"، ونحن أصلاً لا نملك الوقت لنخاطر بخسارته، أو خسارة الثروة البشرية في هذا الموقع نتيجة سوء إدارة وإحباطات، والأهم لا نملك المجال لأن "نجرب حظنا" في المواقع المهمة في وطننا الغالي، بل الهدف دوماً أن يوضع الشخص المناسب بالفعل في مكانه المناسب.
عموماً، أنماط المسؤولين المختلفة تجعلك تتساءل أيضاً بشأن مسألة "التقبّل"، أي تقبّلهم للنصائح والإرشاد والأهم تقبّلهم لكلام "الصج"، وسأكتبها باللهجة "العامية" هنا.
من خلال تجربتي الطويلة تعاملت مع مسؤولين أرفع لهم القبعة احتراماً بالفعل، هذا النوع حينما كان يسألني بشأن أمور معيّنة، كنت أبتسم وأسأله: "تبي الصج لو ابن عمه“؟! هذه النوعية الجميلة من المسؤولين كان ردّهم دائماً على مثل هذه الشاكلة: "أكيد الصج، وأصلاً يا فيصل أنت ما بتقول إلا الصج"!
وبالفعل أكثر ما أؤمن به هو ضرورة "مصارحة" المسؤول، وضرورة "العمل معه" بكل أمانة وإخلاص، بحيث حينما ترى شيئاً غير صحيح، أو توجّهاً ليس في مساره المطلوب، أو فكرة قد تأتي نتائجها بشكل عكسي، من واجبك، ومن منطلق الأمانة أن تُقدّم "الصدق" للمسؤول، وأن تشور عليه بما يساعده على المضيّ في عمله وإدارته بشكل صحيح وإيجابي، لأنك إن أعطيته "ابن عمه.. وليس الصج" فإنك أصلاً "تغشّه"، وتُثبت بأن مصلحة القطاع الذي هو جزء من عمل الدولة "لا يهمك"، وبالتالي لا يحق لك اعتبار نفسك مواطناً صالحاً وشخصاً مخلصاً لبلده وقيادته.
لماذا أقول "أرفع لهم القبعة احتراماً"، لأني صادفت بالفعل نماذج مشرّفة، شخصيات تريد "الحقيقة" وتنبذ "تجميل" الواقع. نماذج تعمل بصدق وإخلاص لهذا الوطن، وتريد النجاح، وبالتالي تعلم بأن "غش المسؤول" بعدم بيان الصدق وتقديم المشورة الصحيحة، هو تصرّف لن يقود إلا لانحراف عن الصواب، ويمهّد الطريق للخطأ.
الحديث يطول طبعاً، لكن المشكلة، بل الكارثة في النوع الآخر، في المسؤولين الذين لا يريدون إلا "هزّ الرأس" وأن يوافقهم جميع الموظفين حتى وإن كانوا يقومون بأخطاء أو يضعون سياسات قد تضرّ القطاع. هنا المسؤول الذي يزعجه "الصج"، ويتضايق من "الحقيقة المُرّة"، هذا لا تتوقّع منه إلا الفشل، ولا تترقّب سوى استبداله بعد ردح من الزمن، وكذلك أمتلك في ذاكرتي نماذج لهؤلاء الذين نسوا بأنهم يخدمون قطاعاً يتبع الوطن، وظنّوا بأنهم يديرون ملكاً خاصاً بهم، نماذج بالفعل لم تعمّر في مواقعها، لأنه وبكل بساطة كانوا لا يريدون سماع "الصج"، بل كان يستهويهم "ابن عمه".
المسؤول المؤهل والكفوء، هو ذاك الشخص الذكي الذي يُدرك بأن الخبرة تُكتسب من التجارب والوقوع في الخطأ والعمل على تصحيحه، هو الذي يمتلك الفراسة ليعرف الناس على حقيقتهم، يعرف من سيعطيه "الصج" ويعرف من يريد فقط "تمشية اللعب"، موقناً بأن هزّ الرأس والموافقة الدائمة بلا وعي ولا تفكير، هي التي تجعلك الموظف المميّز والمقرّب.
ندعو الله أن يُكثّر من المسؤولين الأكفاء المتواضعين والذين هدفهم الإصلاح وتعزيز قطاعاتهم بالموظفين أصحاب الأمانة والضمير، لأن هذه المنظومة هي التي تحقّق للوطن الإنجاز، وهي التي تُقدّم للناس أفضل المخرجات.
0 تعليق