أصدر السفير أحمد الفضالى رئيس الهيئة العليا لتيار الاستقلال بيان حول مشروع ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة.
ان دعوة ترامب لتهجير سكان غزة ، هو اعادة انتاج لوعد بلفور بنسخة اميركية مما يتطلب تحركٍ سياسيٍ عربي شعبي ورسمي للتصدي له واسقاطه مع توفير كل الدعم والاسناد لجماهير شعبنا في فلسطين المحتلة لتعزيز صمودها وتثبيت وجودها في ارضها الوطنية.
جاء ذلك في بيان السفير احمد الفضالى في مايلي نصه :
لم يكد الرئيس الاميركي الجديد يتسلم منصبه ، حتى فاجأ العالم بعدد من من المواقف التي اقل مايقال فيها انها تنم عن نهج امبريالي متجدد يتجاوز مداه حدود الجغرافيا الاميركية الى كل أنحاء العالم. وكان اخطر ماجرى الاعلان عنه ، هو دعوته الى تهجير سكان غزة الى دول الجوار العربي كما الى دول خارج هذا النطاق.
فالرئيس الاميركي ، الذي اعيد انتخابه و جاء محمولاً ليس فقط على رافعة الشركات العملاقة وخاصة تلك التي تتحكم بمنظومة المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي ، وانما ايضاً بدعم ممن يسمون انفسهم "بالمحافظين الجدد" الذين يستبطنون في عقلهم السياسي مشروع الحركة الصهيونية لاقامة " الدولة التلمودية " ولهذا فإن دعوته الى افراغ غزة من سكانها وترحيلهم الى خارج ارض فلسطين ، تفوق في خطورتها ما انطوى عليه وعد بلفور من خطورة يوم اعطى من لا يملك حقاً بارضٍ لمن لايستحق. فيوم ذاك ، فتح المستعمر البريطاني المعابر للهجرة اليهودية الى فلسطين لاغراقها بالقادمين اليها من كل اصقاع العالم لتأمين العنصر البشري لاقامة كيان غريب في قلب الوطن العربي. واليوم يعود ترامب ليطلق مشروع تهجير الفلسطينيين من ارضهم ، وتمكين الكيان الصهيوني من السيطرة على كامل ارض فلسطين التاريخية .
ان اميركا التي انتقلت اليها حماية الكيان الغاصب منذ وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها ووفرت له كل وسائل الحماية السياسية والدعم العسكري والاقتصادي والمالي ، تتعامل مع "اسرائيل" ، باعتبارها من ركائز امنها القومي معتبرة أن أي اهتزاز في بنية هذا الكيان انما ينعكس مباشرة على اهتزاز مكانتها الدولية وعلى مصالحها في المنطقة العربية وحوض المتوسط ، وخاصة مايتعلق منها بالموارد الطبيعية والنفط والغاز في رأس سلم الاولويات. ولهذا ، فإن ما اعلنه الرئيس الاميركي حول تهجير سكان غزة ، لم يكن غريباً عن نهجه ومن يمثّل في بنية الدول العميقة وخارجها ، وهو الذي اقدم خلال رئاسته السابقة على نقل السفارة الاميركية الى والقدس والى الاعتراف بضم الجولان الى الكيان الغاصب ، كما بإعلانه إبان حملته الانتخابية ، بأن ارض "اسرائيل"، باتت ضيقة على الصهيانية وهي بحاجة لتوسيع كي تكون قادرة على استيعاب المزيد من اليهود .
من هنا ، فإن دعوة ترامب لتهجير سكان غزة ، لاتنطلق من خلفية نسبة الكثافة السكانية فيها وهي الاعلى في العالم ، بل من خلفية تفريغها وتمكين الكيان الصهيوني من اغراقها بالمستوطنات تماهياً مع الدعوات المتصاعدة في مؤسسة الحكم الصهيوني ومن يندرج تحت مسمى المتدينيين المتشددين لاعادة الاستيطان الى غزة ، وخلق واقع جغرافي وديموغرافي شبيه بالذي جري ويجري في الضفة الغربية والجولان المحتل.
ان اميركا ، التي وضعت كل ترسانتها العسكرية بتصرف "اسرائيل"، خلال حرب الا بادة التي شنها العدو على غزة ، وعطلت كل محاولات مجلس الامن اصدار قرار لوقف الحرب وفك الحصار عن غزة ، ومن ثم اطلاق حملة سياسية واعلامية ضد محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ، هالها ان ترى كم يتعلق الفلسطيني بارضه ، وبقي متشبثاً بها وقابضاً على ترابها رغم القصف التدميري الذي لم يوفر بشراً ولاحجراً وشجراً . وهاله اكثر ان يرى قوافل العودة من جنوب القطاع الى شماله ، غير آبهة بالظروف الصعبة التي تعترض طريق عودتهم وسكنهم بعدما دمرت المساكن وكل المرافق الحياتية والحيوية.
ان الهيئة العليا لتيار الاستقلال ، التي تكبر بجماهير شعبنا في غزة صمودها وصبرها وتشبثها بارضها ، توجه التحية لها ولقوافل عودتها الى اماكن سكنها وبنفس السياق عودة جماهير شعبنا في جنوب لبنان مُتَحَدِّين الاحتلال وآلته الحربية ، وتعتبر ان هذه المشهدية التي وقف العالم عليها في غزة وجنوب لبنان هي الرد الاوليّ على موقف الرئيس الاميركي الا خير . والذي يرتقي حد اعلان جولة جديدة من الحرب الصهيو- اميركية ضد شعب فلسطين وقضيته الوطنية وحقه في استعادة حقوقه وتقرير مصيره.
ان موقف اميركا الذي اطلقه رئيسها الحالي ،لا ينطوي على استمرار التنكر الاميركي لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والقرارات الدولية ذات الصلة ومنها حق العودة وانتهاكه لاحكام القانون الدولي الانساني وحسب ، بل يشكل اعلانه اطلاق اشارة جولة حرب صهيو - اميركية جديدة ضد الوجود الفلسطيني في ارضه الوطنية علّه يحقّق بالضغط السياسي ما فشل في تحقيقه بالحرب التي مولتها وذخّرتها اميركا بكل ماتملك من امكانات.
ولهذا ، فإن الحرب التي اطلقها العدو الصهيوني على غزة كما على لبنان ،وتوسيع رقعة احتلاله على الجبهة السورية وما يقوم به في الضفة الغربية وخاصة في جنين وطولكرم ، لم تنته فصولاً مع الاتفاقات التي تم التوصل اليها على جبهتي غزة ولبنان ، بل ان الصراع سيدخل مرحلة جديدة بعد الدخول الاميركي المباشر على مجرى عملياتها بدءاً بمقدمات مشروعه الذي اعلنه ترانب ضد غزة والخطوة التالية ستكون الضفة الغربية فيما لو قيض للدعوة الاميركية ان تجد طريقها الى التنفيذ.
من هنا ، وفي ضوء ما ينطوي عليه الاعلان الاميركي من خطورة على الحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى الامن القومي العربي ، فإن مسؤولية التصدي لهذا المشروع واسقاطه وهو في مهده ، بقدر ماهو مهمة شعب فلسطين وقواه المقاومة ، فإنه وبنفس المستوى هو مهمة الامة العربية على مستوى نظامها الرسمي وقواها الشعبية وكل القوى الدولية التي ادانت العدوان ودعت الى تمكين شعب فلسطين من تقرير مصيره ، لتعلق الامر بالحق الوطني لجماهير فلسطين المتجسد بالبقاء في ارضها وتمكينها من تقرير مصيرها ، كما لتعلقه بالامن القومي العربي سياسياً واقتصادياً وتنفيذ القرارات الدولية التي تؤكد على الحقوق الوطنية الفلسطينية .
وعليه ،فإن الهيئة العليا لتيار الاستقلال ، اذ تدين الموقف الاميركي بدعوته ترحيل سكان غزة تدعو الى اطلاق اوسع تحرك شعبي وسياسي ، اولاً : لدعم صمود جماهير فلسطين في ارضها ، وثانياً : للتصدي للدعوة الاميركية لتنفيذ "ترانسفير " جديد بحق ابناء شعبنا في فلسطين المحتلة.
ان خطورة ما يطرح من مشاريع تصفوية جديدة للقضية الفلسطينية ، يتطلب الاسراع بانجاز خطوات الوحدة الوطنية الفلسطينية ليس لادارة الشأن الفلسطيني في غزة عبر ادارة وطنية تعمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين وحسب ، وانما ايضاً لادارة حراك سياسي على المستوى العربي والدولي ضد الموقف الاميركي ولتوظيف التحولات الا يجابية في الرأي العام الدولي التي برزت مؤخراً لمصلحة القضية الفلسطينية .
إن القيادة القومية للحزب التي تدعو الى تحشيد الموقف العربي رسمياً وشعبياً ضد ما أعلنه الرئيس الاميركي ووضعه في نفس المصاف من مواجهة العدو الصهيوني، تطلب من كافة منظمات الحزب في داخل الوطن العربي وخارجه القيام باوسع مروحة من الاتصالات السياسية والفعاليات الشعبية لتنظيم صفوفها والنزول الى الشارع بالتظاهرات والاعتصامات والمهرجانات والندوات بغية تمكين الشارع العربي من استعاده نبضه وهو الذي كان وسيبقى الرافعة لقضايا النضال العربي وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
تحية لجماهير شعبنا في غزة والضفة والقدس وكل عموم فلسطين ، وتحية لقوافل العودة الشعبية في غزة والجنوب اللبناني، والتحية للذين ارتقوا في تصديهم للعدوان الصهيوني وتشبثهم بارضهم على كل الجبهات حتى الاستشهاد ، وما النصر الا حليف الشعوب المكافحة من اجل استقلالها وحقها في تقرير مصيرها.
0 تعليق